ياسر عيسى ياسر عيسى

«تهروه بالهنا»!!

يبدو أن الجدوى الاقتصادية لقانون السير السابق أصبحت أقل من المستوى الذي يسمح للسير بأن ينتمي هو الآخر إلى اقتصاد السوق، على غرار قطاعات أخرى كالمحروقات والطاقة الكهربائية والسّلة الغذائيّة والعقارات والسّكن الجامعي...الخ مما نستطيع تعداده.. ويبدو هذا السبب أكثر منطقيّة لتفسير الإسراع بإصدار قانون السّير الجديد، أما حجّة ضبط المخالفات المرورية فهي حجّة والناس راجعة، وذلك نتيجة حالات كثيرة بيّنت وجود تسعيرتين للمخالفات؛ الأولى تحددها الدولة، والثانية السّوق السّوداء!.

وهذا يعني أنه لو كانت تسعيرة الدولة هي المطبّقة وحدها ــ بعيداً عن أي ابتزاز من البعض ــ لما تجرّأ أحد على المخالفة، وبالتالي فإن مسألة ضبط المخالفات تحتاج سيراً جديداً للقانون، وليس قانوناً جديداً للسير، كما أنها لا تتوقف على قيمة المخالفة إذ أنَّ أحداً لا يتمنى أن تتم مخالفته، سواء بعشرة آلاف ليرة، أو حتى بخمسين ليرة!.

إن التخطيط بهذه الطريقة لن يحلَّ أية أزمة، وإنما سيظهرها بثوب جديد في كل مرّة، فتغدو الأزمة كعارضة أزياء ترتدي فستاناً سيّء التصميم، ولهذا يجدر بالتخطيط أن يكون شاملاً، فهناك منهجيّة ومداخل وأدوات لحل الأزمات، وهناك شروط موضوعيّة يجب توفيرها، لاسيما فيما يتعلّق بالهندسة الطرقية وتأمين كراجات للتوقّف، فالقوانين كالبشر تفضّل الطرق الواسعة والميسَّرة، وهذا حق للسائقين والمشاة على الدولة، طالما كانت القوانين ليست واجبات فقط بل حقوق وواجبات في الوقت نفسه، كذلك لابدَّ من العدل في تطبيق القانون على المخالفين بدلاً من مقولة «الخيار والفقّوس» التي أصبحت كليشة في أحاديث الشكوى، وإلا فإن القوانين تفقد روحها أيضاً كالبشر.

والسؤال هنا: بما أنَّ السّير دخل إلى السوق ليتطابق سير المركبات مع سير الاقتصاد، فهل يقبل سائقو الاقتصاد لدينا أن يحتكموا مع سائقي المركبات للقانون ذاته؟!.. لنفترض أنَّ الإجابة نعم، فما هي قيمة الضبط التي يمكن تسجيلها بحق هذا النهج الاقتصادي الذي أخذنا في طريق الغلاء والبطالة ومشاريع الخصخصة منتزعاً عنّا أحزمة الأمان ومتجاوزاً الإشارة الحمراء أكثر من مرَّة، بدءاَ من الارتفاع الجنوني للأسعار وحتى رفع الدعم، ما يؤكّد لنا أنه (يدوبلنا) وعن اليمين؟!

 

المهم، لبست شوارعنا قانونها الجديد، وبات بإمكاننا أن نقول الآن، للحالة الطرقيّة والمروريّة وأزمة النقل ووقت الذروة وأجور المواصلات: «مبروك جديدكم والقالب غالب» وبوسعنا أيضاً أن نقول للرشاوى: «تهروه بالهنا»!!.