بصراحة: الصناعة الهندسية في القطاع العام والخاص تحديات جديدة؟!
في الملف الذي قدمته مؤخراً الزميلة تشرين الاقتصادي حول الصناعات الهندسية، أجرت فيه عدة لقاءات مع عدد من الذين لهم علاقة مباشرة بهذه الصناعات الاستراتيجية، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، وقد أظهرت تلك المقابلات المرارة والتحسر والألم لما أصاب الصناعات الهندسية في بلدنا من تراجع وعدم مواكبتها لما وصلت إليه هذه الصناعة ليس عالمياً فقط، وإنما عربياً أيضاً، وحمّلت كل هذا التراجع للسياسات الحكومية المتبعة، والتي أوصلت هذا القطاع الهام اقتصادياً إلى ما وصل إليه من تدهور، بعد أن كان هذا القطاع قد لعب دوراً مهماً بالمراحل السابقة، أي في فترة الحصار الاقتصادي الذي فرضته القوى الإمبريالية على وطننا، فوقتها قام هذا القطاع بتصنيع القطع التبديلية البديلة لما كان مستورداً، ولم تتوقف المعامل عن الإنتاج بسبب قلة وندرة القطع التبديلية.
ولكن لماذا لم تستمر الصناعات الهندسية بأداء دورها والارتقاء بأدائها!؟
سؤال أجاب عنه من قابلتهم (تشرين الاقتصادي) موجهين التهم مباشرة للسياسات الحكومية المتبعة التي أدت إلى التراجع الحاد في هذه الصناعات، فقد شكا أحد كبار الصناعيين بحدة من تلك السياسات، والمتمثلة بفرض الرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج بالوقت الذي يعفى التجار من الرسوم على البضائع المستوردة من الدول العربية وفقاً لاتفاقية التجارة العربية الكبرى، مع أن هذه البضائع مصنعة في الصين وتبدل شهادة المنشأ للتهرب من دفع الرسوم والضرائب الجمركية، هذا بالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي تتحملها هذه الصناعات بسبب ارتفاع أسعار الطاقة بكافة أنواعها، وإغراق السوق بالبضائع القادمة إلى أسواقنا بفعل السياسات التحريرية للحكومة.
لقد حول الكثير من الصناعيين منشآتهم الهندسية إلى مراكز تجارية كما صرح صاحب مجموعة دعبول الصناعية، لأن الاتجاه للتجارة أصبح أجدى ولا يحمل المخاطر التي تحملها الصناعة بواقعها الحالي المفروض عليها.
هذا واقع الحال في صناعات القطاع الخاص الذي يتحرك بحرية أكثر وفقاً لمتطلبات السوق، ولديه العديد من التشريعات التي تمكنه من تطوير واقعه وتحسين أدائه، فكيف يكون واقع القطاع العام والقيود تكبله والنهب والفساد ينخر في جسده؟
لقد جرى العمل على تخريب القطاع الهندسي في القطاع العام بشكل ممنهج ومدروس، حتى باتت معظم شركاته تغرق بالخسارة والكساد والمخازين العالية لدرجة أن هذه الشركات لم تعد قادرة على دفع أجور عمالها، هذا ما أوضحته مؤسسة الصناعات الهندسية في تقاريرها عن واقع الشركات التابعة لها، وهذا ما أوضحه أيضاً رئيس الاتحاد المهني للصناعات المعدنية والكهربائية، وكذلك رئيس مكتب نقابة عمال الصناعات الكهربائية والمعدنية، حيث أشارا إلى واقع معمل بردى ومعمل الكبريت وشركة الصناعات المعدنية وسيرونكس وغيرها من الشركات.. التي تئن من الألم تحت الضربات التي توجهها الحكومة لهذا القطاع بسياساتها المالية والإجرائية، حيث يكون الحل النهائي الذي تقدم عليه الحكومة طرح هذه الشركات للتأجير أو الاستثمار، وبهذا خسارة كبرى لاقتصادنا الوطني ولشعبنا الذي دفع الثمن الغالي، لتأتي الحكومة وتفرط بمقومات صمود شعبنا وعلى رأسها القطاع العام الصناعي.
إن الدور الوطني المنوط بالحركة النقابية يملي عليها واجب حماية القطاع العام وخاصة القطاع العام الصناعي، وكذلك القطاع الخاص الصناعي، لأن في ذلك حماية للاقتصاد الوطني من السياسات الليبرالية التي تسير بها الحكومة عبر برامجها وخططها الخمسية ومراسيمها، وهي عبر تلك السياسات رفعت نسب التضخم والبطالة والفقر، والأهم التفريط بهذه الشركات تحت مقولة إنها أصبحت تشكل عبئاً على موارد الحكومة.
إن موقفاً واضحاً وقوياً للنقابات عندما طرحت الحكومة تصنيفها للشركات بالخاسرة والحدية والرابحة، كان يمكن أن يكبح الحكومة على المضي بسياساتها التدميرية تلك، والمطلوب الآن الحماية الجدية لهذه الشركات التي تملك كل المقومات الضرورية للنجاح من يد عاملة ماهرة وخبرة اكتسبتها خلال عشرات السنين من التصنيع والإنتاج، وبهذا حماية لمصالح وحقوق الطبقة العاملة السورية وللاقتصاد الوطني كي يقوم بأداء دورة التنموي والاجتماعي.
فهل تقوم النقابات مجدداً بدورها في حماية الصناعة الوطنية؟.