متابعة لواقع العمال في منطقة (نهر عيشة)
توجهت (قاسيون) على مدار يومين لمنطقة عشوائيات (نهر عيشة وجزء من الدحاديل) قاصدة مشاغلها ومعاملها الصغيرة ومحلاتها التجارية، وورشاتها، التي يعمل بها ألاف العمال المحسوبين على القطاع غير المنظم، راغبة بالإضاءة على شريحة لطالما بقيت رهينة العتمة.
عن جد عشوائيات
لا يطلق على أحزمة الفقر التي تلف العاصمة دمشق بالعشوائيات عبثاً، فما فيها كله عشوائي بيوتها طرقها، خدماتها (ماء وكهرباء و ة) والجزء المتصل بها من عشوائيات تتبع إداريا (للدحاديل) وربما لن نجد ما يستحق أن يندرج تحت مسمى المنظم سوى ذلك الانتظام العجيب لآلاف العمال المنتشرين في أماكن عملهم الذين لم يزدهم شقاؤهم اليومي وتردي أحوالهم المعيشية إلا إصراراً على ملاحقة عملهم والتمسك به، علهم يحافظون على ما تبقى من كرامة العيش ويستمرون بممارسة واجبهم العائلي الثقيل.
أصحاب الرزق، أم عمال باعة؟
بدءاً من سوق الخضرة وسوق (عاصم) والأسواق الصغيرة المجاورة ينتشر العمال الباعة على المحال والبسطات تلك قد يظن البعض للوهلة الأولى بأنهم أصحابها لكن تتضح الحقيقة بمجرد التوقف لبعض الوقت، أو الحديث معهم (فأصحاب الرزق) هناك هم قلة مقارنة بالعمال الأُجراء، ويمتلكون تلك المحلات والبسطات كلها ويشغلون فيها مئات العمال ويشكل العمال الفتية (من 14- 17 سنة) منهم نسبة تتجاوز النصف مقابل أجر يومي، فيما يحصل الباعة المتمرسون على نسبة البيع التي تتراوح ما بين 2-10 % وحين سألنا أحد هؤلاء العمال الباعة، والذي تتضح خبرته الكبيرة بالسوق والبيع، لماذا لا تفتح بسطة على حسابك أو تستأجر محلا؟ فأجابنا: بأن رأسمال القصة كبير جداً وهو غير متوفر حالياً وإن توفر لاحقاً فلن يسمحوا له كما قال و(سيطفشونه) من السوق والأمر يحتاج للكثير من العلاقات وفهمكم كفاية.
أجور الباعة ... من الجمل أذنه
يبلغ متوسط أجور العمال الباعة 10 ألاف ليرة أسبوعيا ويتضاعف المبلغ لعمال النسبة في حين يحصل الفتية بشكل وسطي على ألف ليرة يومياً فيما تذهب تلك الأرباح كلها لأصحاب المحلات والبسطات.
عمال الخياطة الأكثر عدداً
تنتشر المعامل الصغيرة والمشاغل على مساحة عشوائيات (نهر عيشة) وتأخذ من البيوت الأرضية مستقراً لها وتحتل الخياطة المرتبة الأولى من حيث الكم، فعشرات المعامل الصغيرة والورش والمشاغل كانت وما زالت موجودة في المنطقة منذ سنوات ما قبل الأزمة فيما نشأت ورشات أخرى بعد أن هرب إليها أرباب العمل بأرزاقهم أو بدونها، حين توترت مناطقهم الأصلية كونها بقيت آمنة وتمتاز برخص بدل إيجار العقارات فيها، وكذلك قربها من مركز المدينة (حريقة وسوق مدحت باشا) التي تضم أسواق القماش والمواد الأولية الأخرى وأسواق الألبسة الجاهزة ومكاتب الشحن للمحافظات، ويتضح عدم توفر أية إجراءات صحية أو سلامة مهنية للعمال في هذه الورشات فلا البيوت الرطبة تعتبر بيئة عمل مناسبة ولا التهوية متوفرة ولا حتى الإضاءة، خاصة إذا علمنا أن متوسط ساعات العمل لا يقل عن إحدى عشرة ساعة.
احتيال على القانون
ونهب للعمال
تمكنا خلال زيارتنا لبعض المشاغل من الوقوف على واقع العمال فيها وبرزت تلك القضية التي لا يبدو أن المعنيين بشؤون العمال وحقوقهم وعلى رأسهم نقابات العمال يغفلون عنها، بل يتجاهلونها، وهي: أن الكثير من تلك المشاغل تتبع لمعامل كبيرة ومتوسطة معروفة بأسماء ماركاتها وأسماء أصحابها توزعت هنا وهناك وتحوي عشرات العمال، وما لجوء أرباب العمل لهذا الإجراء إلا كي يتنصلوا من تشغيل عمالهم في المعمل، أو الشركة الأم بعقود رسمية تضمن حقوقهم، وفي مقدمتها حقهم بالتسجيل بالتأمينات الاجتماعية، ويكاد يفوق عدد عمال الورشات التابعة لشركة ما عدد العاملين في الشركة، ونتيجة ذلك يتحول هؤلاء لمجرد عمال موسميين يشتغلون حسب حركة السوق ووفق طلبيات الشركة ليجدوا أنفسهم مضطرين للخضوع لتلك العلاقة المركبة على مقاس رب العمل و(شطارته الفطرية) ضامنة له أعلى نسبة أرباح ممكنة، كيف لا ؟ وهو بذلك قد احتال على القانون وتهرب من الضرائب والرسوم واستغل العمال وهضم حقوقهم.
مطالبون بواجباتهم ،محرومون من حقوقهم
استضافنا بعض العمال في أحد هذه المشاغل التابعة لاسم كبير في عالم الألبسة الجاهزة والتي يديرها أحد العمال فيها، حيث حدثنا عن الظلم الكبير الذي يقع عليه وعلى العمال، فهم مرتبطون بالشركة بشكل كامل، ومحاسبون على كل صغيرة وكبيرة وهم مطالبون بكل واجباتهم، ومحرومون من أصغر حقوقهم، ورغم أن أجورهم أفضل من الورشات المستقلة إلا أن ذلك مرده لمعايير الجودة العالية، خلافاً لما هو عليه في الورشات المستقلة ولسبب آخر بأنهم أحياناً يتعطلون لأسبوعين وأحيانا لشهر كامل على حسابهم إذا (نام السوق) أي أنها عطلة إجبارية من غير أجر ويبلغ متوسط أجر العاملين على مكنات الدرزة مرحلة أو مرحلتين 15 ألف أسبوعياً، ولصاحب الخبرة المهنية الأكبر الذي يتمم قطعة كاملة وزميله المقدار 25 ألف أسبوعياً فيما تحصل عاملة الدرزة على عشرة ألاف، وسبعة ألاف لعاملات التنظيف (التعريش والقصقصة) والأمبلاج وأربعة ألاف للعمال الفتية (الحويصة).
للتغطية تتمة
تضمنت زيارة قاسيون معامل ومشاغل أخرى لمهن أخرى سنفرد لها مساحة كافية لها في أعداد لاحقة، ومنها: مشاغل مواد غذائية (بسكوت- سكاكر) وأخرى كيميائية (مواد تنظيف) ومعدنية (نحاسيات – سكب معادن).
في حديثنا مع العمال (الباعة) وعمال الخياطة عن مجمل القضايا كالإنتاج والصعوبات في ظل تسلط أرباب العمل والأداء الاقتصادي الحكومي، استرسل الكثيرون منهم وشاركونا بكلمات ربما تختزل في بساطتها تعقيدات الأزمة وتداعياتها كلها، ومعاناة الطبقة العاملة كلها التي تدفع ثمن سياسات حكومية بائسة تلبي مصالح حيتان النهب، ثمناً باهظاً وبالعملة الصعبة (بالعرق والدم).
( حكي ) عمال
عامل بائع ألبسة بالة: «12 ساعة على رجلي، كل يوم بدي نظف المحل وبيع الزبائن وحمّل بضاعة ونزل بضاعة، وعلى تعا وروح مشان شو؟ مشان ألفي ليرة باليوم، أي أنا بس فيق الصبح بدي أعطس ألف ليرة أجار بيت، هي لا أكلنا ولا شربنا ولا دفعنا كهربا ومي، والله يا استاذ بتصدق انو معلمي صاحب المحل الحق معه يركب على ظهرنا، أي إذا حكومتك ركبانة على ظهرنا.! شو كيف ماشية القصة هو يشفط من الحكومة وبيدفع كم ليرة رشوة بالجمارك، والحواجز بتشفط منه عالطريق، الحكومة بترفع سعر الكهربا عالمحلات وسعر البنزين للمولدات، وهو بيدفع لدوريات المحافظة والتموين بدل ما يدفع للحكومة ضرايب وجمرك وخلافه، بس نحنا شو نحنا شغيلة، بدنا نحمل كل هالتخبيص وننام بلا عشا، بلد ما فيها قانون، غابة بكل معنى الكلمة، غابة ومزارع خاصة ونحنا مجرد أرانب، اكتبها متل ما هي نحنا أرانب».
عاملة خياطة (درزة): «نحنا العاملات النساء حقنا مهضوم أنا معلمة متلي متل العامل عالمكنة، بس أجره أعلى من أجري بمرتين تقريباً، طيب ليش؟ بس لأني امرأة ما أنا وضعي صعب عندي مسؤوليات فاتحة بيت فيه سبع أشخاص ما فيهم ولا زلمة، جوزي مفقود من 2012 ولادي الشباب طفشوا على لبنان عم يشتغلوا بحق أكلهم وشربهم، وأنا هون بدي أصرف على بناتي ونسوان أولادي وبناتهم، عم اشتغل من 12 ساعة ولا ورشة رضيت تشغلني عالقطعة متل العمال الرجال، بهالبلد بتحس انو ما بدهم يانا نشتغل وناكل لقمتنا بالحلال».