السنوات السابقة حفلت بتفريط السياسات بملكية الشعب.. المفرّطون خالفوا الدستور وانتهكوا حق ملكية الشعب ولم يحاسبهم أحد!
ما كفله الدستور جاءت السياسات الحكومية التي تم انتهاجها في السنوات العشر السابقة، ومن خلفها توجهات الخطتين الخمسيتين التاسعة والعاشرة (2001 – 2010)، لتنسفه جملة وتفصيلاً.
فقد كفل الدستور بقاء الثروات الطبيعية، والمرافق العامة، والمنشآت والمؤسسات العامة، بين أيدي الشعب، لاعتبارها ملكيته، لكن السياسات الحكومية المتلاحقة دأبت على التفريط بهذه المكاسب واحدة تلو الأخرى تحت ذريعة الإصلاح، لتجرد بذلك الشعب من ملكيته الطبيعية..
واللافت أن الدستور وقف شاهداً على ما يقترف بحقه من سياسات أصرت على الإمعان في خرقه، دون أن تعير اهتمامها لكونه العقد الاجتماعي الذي أجمع السوريون عليه في سبعينيات القرن الماضي، وكلنا يعرف أن مخالفة الدستور خيانة بحق الوطن، لمخالفته ما أجمع عليه الغالبية في السابق!.. أي أن هناك من أمعن في المخالفة والخيانة عن سبق الإصرار دون إعارة أي اهتمام للنصوص الدستورية التي تجمع السوريين..
التفريط بملكية الشعب
المادة 14 من الدستور السوري نظمت قانون الملكية إلى ثلاثة أنواع، لتنص في أول بنودها على «ملكية الشعب، والتي تشمل الثروات الطبيعية، والمرافق العامة، والمنشآت والمؤسسات المؤممة، أو التي تقيمها الدولة، على أن تتولى الدولة استثمارها، والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها».
ولكن الملاحظ خلال السنوات السابقة انتهاك الثروات والمرافق وإعطاؤها للقطاع الخاص وللاستثمار الأجنبي والعربي، ودخل هؤلاء إلى اقتصادنا الوطني، واستثمروه لحسابهم بدلاً من الاستثمار به بما ينسجم مع متطلبات التنمية في سورية!..
«شهود عيان»
التفريط بملكة الشعب اتخذ أشكالاً عديدة نسوقها هنا من باب التذكير، لعلى الذكرى تنفع اليوم، لأن هناك أملاكاً عامة جرى التفريط بها، عبر أشكال من التحايل والصيغ القانونية، والمطلوب استرجاعها، لأنها ملك للشعب السوري، فخلال السنوات العشر السابقة دخل القطاع الخاص عبر عقود الـ«B.O.T» على خط إنشاء المرافق الاقتصادية العامة التي تتسم بالأهمية، كالطرق، والمواصلات، والمطارات، والموانئ، والكهرباء، ومياه الشرب، والاتصالات، والتي كانت تديرها وتؤسسها الدولة حصراً في السابق، ولا يسمح لأحد سواها بالإشراف والعمل في هذه القطاعات الحيوية..
تمت خصخصة قطاع الاتصالات الخلوية، وقد جرى ذلك في مطلع العقد الماضي عبر توقيع عقد بين المؤسسة العامة للاتصالات في سورية وشركة انفستكوم كلوبال ليمتد لإنشاء نظام هاتف خلوي GSM تم على مبدأ B.O.T في العام 2001، كما تم دخول الخاص إلى قطاع النقل البري، والجوي، عبر إنشاء أرصفة جديدة في مرفأ طرطوس واللاذقية، واستثمار أرصفة أخرى على مبدأ B.O.T، كذلك قامت محافظة دمشق في العام 2008 بإبرام عقد B.O.T مع شركة سورية القابضة لإنشاء مشروع متكامل في مركز المدينة..
كما دخل القطاع الخاص مستثمراً في شوارع المدن، والتي لم تكن خارج دائرة الخصخصة الجائرة الجارية أيضاً، كخصخصة مواقف سيارات (سيريا باركينغ)، والاستثمار في مجال النقل الداخلي لأكثر من خمس شركات خاصة في دمشق وحدها، ليسيطروا على عشرات الخطوط، بالإضافة إلى دخول ثلاث شركات طيران خاصة إلى السوق السورية كمنافسين للسورية للطيران منذ نحو أربع سنوات تقريباً..
وفي البحر أيضاً!
والبحر لم يسلم من الخصخصة، حيث تم بيع الشط والواجهة البحرية بمدينة طرطوس لشركة جونادا، وغيرها من الشركات الخاصة، فالبحر بمجمله بات تحت سيف الاستثمار، لتغيب الشواطئ المفتوحة المجانية المتاحة للسياحة الشعبية المجانية في مختلف المناطق الشاطئية لكل السوريين، لتحل مكانها شركات تقبض على دخول بحرنا بالعملة الصعبة، مما حرم غالبية السوريين من أهم معالم سياحتهم الداخلية، ليصبح المستثمر مستفيداً أكبر على حساب ملكية الشعب..
وتسارعت وتيرة الخصخصة لتصل إلى قطاع الكهرباء والماء، حيث بدأت بالفعل أولى الشركات الخاصة الاستثمار في قطاع الكهرباء في سورية، وهي شركة شام القابضة، كما سمح للقطاع الخاص الاستثمار في قطاعات كانت محصورة في الحكومة كالبنوك وشركات الطيران والتأمين والاتصالات والنقل الداخلي والجامعات وسواها من المجالات الحيوية في بلدنا..
وللنفط حكاية أخرى
وصلت يد التفريط حتى إلى الثروة النفطية، والتي هي ملك للشعب السوري، حيث استقدمت الحكومات المتعاقبة الشركات الأجنبية مشجعة ومحفزة إياها على الاستثمار في قطاعنا النفطي، والتي تأخذ «على البارد المريح» 47.5% مما تستخرجه من النفط الخام في أراضينا، لتقف الشركات النفطية العامة متفرجة عليها وهي تنهب مقدراتنا وثرواتنا..
وقد أظهرت نتائج تقرير رصد توزّع المشاريع الاستثمارية الأجنبية في سورية أن قطاع النفط احتل المرتبة الأولى من حيث طبيعة النشاط الاقتصادي، إذ وصلت أعداد الشركات الأجنبية العاملة في سورية إلى أكثر من 600 شركة في عام واحد بعد أن كانت أقل من (100) شركة في عام 2005.. ووزارة النفط تقرر التمديد عقود الاستغلال لهذه الشركات لعشر سنوات قادمة، بدءاً بشركة توتال الفرنسية، وصولاً إلى شركة شل الهولندية.
والشركة السورية للنفط تستخرج 196 ألف برميل يومياً، بينما يقدر إنتاجنا من النفط بنحو 380 ألف برميل يومياً، وهذا يعني أن نصف إلانتاج النفطي تستخرجه الشركات الخاصة، والتي تأخذ ما يقارب 90 ألف برميل من الإنتاج النفطي لها، بينما يستورد السوريون حاجتهم من النفط من الأسواق العالمية، فدخول هذه الشركات الاحتكارات الكبرى إلى نفطنا السوري هو الذي جعل التراجع يصيب صادراتنا النفطية وليس تراجع الإنتاج فقط..
تصفية القطاع العام
بيع وتصفية العديد من مصانع ومؤسسات القطاع العام، هو حلقة من حلقات الهجوم على مكتسبات الشعب السوري، فمنذ العام 2008 خرجت قائمة سوداء بأسماء 14 شركة في القطاع العام الصناعي، والمطلوب بيع هذه الشركات والتخلص منها لكونها خاسرة، وهي غير قابلة للحياة، لأن الإدارة الاقتصادية لم تشأ تكليف نفسها بتقديم الدعم لهذه الشركات، وهذه قائمة مبدئية قابلة للزيادة، وبالفعل تم بيع العديد من هذه الشركات الصناعية، ورحلت عمالتها، وتم وبيعها لمستثمرين لاستثمارها في المجال السياحي، وبناء المنشات السياحية على حساب الوطن والبلد أيضاً..
إذاً، حلقات التفريط بمكتسبات الشعب ليست بالقليلة، وكانت هي المنهج الذي اتبعته الإدارة الاقتصادية في السنوات السابقة، غير آبهة بمخالفتها لنصوص الدستور السوري، وهذا يتطلب اليوم محاكمة هذه الإدارة لمخالفتها الدستور أولاً، ولتفريطها بملكية الشعب ثانياً..