الاعتدال هو السمة الغالبة لدى الشعب السوري

الاعتدال هو السمة الغالبة لدى الشعب السوري

ترافقت الأحداث المؤسفة والجرائم والمجازر التي جرت خلال الأشهر الماضية في الساحل وفي محافظة السويداء وغيرهما، مع صعودٍ غير مسبوق للخطابات الطائفية والتحريضية؛ خطاباتٌ سمتها الأساسية هي تعميم الصفات السلبية على مجموعات بشرية ضخمة ضمن البلاد؛ سواء منها وسم جماعات بالكفر والزندقة والخيانة وإلى ما هنالك، أو وسم جماعات أخرى بالبربرية والتوحش والتخلف وإلخ.

ما عزز هذه الخطابات، ليس فقط الانتهاكات المختلفة التي جرت، بل والعمل الإعلامي الخارجي والداخلي الذي اشتغل على حقن الناس وشحنهم وتأجيج مشاعر الكراهية المتبادلة بينهم، مع غياب المحاسبة القانونية الضرورية للمحرضين، وخاصة منهم «المشاهير» الذين يعبثون بدم السوريين ومستقبلهم دون حسيب أو رقيب.

ما طفا على سطح الأحداث خلال الأشهر الماضية، ليس تعبيراً حقيقياً عن شعور الغالبية العظمى من السوريين، ولا عن طريقة تفكيرهم؛ فالسمة الغالبة لدى السوريين هي الاعتدال والعقلانية، وهذه سمة عميقة تشكلت في منطقتنا عبر آلاف السنين لأسباب موضوعية بينها التنوع الهائل ضمنها من جهة، ومن جهة ثانية لأن النشاط الاقتصادي الأساسي في منطقتنا عبر آلاف السنين كان ذا طابع تجاري خصوصاً. وفي التجارة، يميل الناس إلى تسيير أمورهم عبر التعاون والعلاقات الحسنة، وليس عبر القتل والقتال والانعزال، بل عبر الانفتاح والتعاون.

سمة الاعتدال ورفض الاقتتال الداخلي، تكاد تكون محدداً أساسياً ضمن الهوية الوطنية السورية، ويمكن لمن يتابع بشكل تفصيلي ما يجري في مختلف المناطق السورية، أن يلحظ أن الخطاب الوطني الجامع الرافض للتطرف والرافض للاقتتال الداخلي قد بدأ بالتصاعد بشكل ملحوظ في كل مكان، في الجامعات والمؤسسات والأسواق والجوامع والمدارس وحتى على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي رغم أن السيطرة الأساسية على هذه الأخيرة هي في يد جيوش إلكترونية ضخمة وظيفتها زرع الشقاق وتعظيم الخلاف وإذكاء نار الفتنة.

إن الأصوات الوطنية الداعية للتوافق بين السوريين بغض النظر عن الانتماء الديني أو القومي أو الطائفي، ستكون الأصوات الأعلى في نهاية المطاف، حتى وإنْ بدا مؤقتاً أنها أقل تأثيراً من أصوات التحريض؛ لأن أصوات التوافق هي أصوات تصب في الاتجاه الصحيح بالمعنى التاريخي، ويرفعها نهر التاريخ المتدفق في الجغرافيا السورية، والذي يسير باتجاه واحد هو اتجاه سورية موحدة أرضاً وشعباً...

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000