عصام حوج
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تؤكد الوقائع الملموسة على الأرض أن الأزمة الوطنية تتعمق أكثر فأكثر بسبب مواقف القوى المختلفة الفاعلة على خط الأزمة، فيرتفع يوماً بعد يوم منسوب الدم السوري بسبب العنف والعنف المضاد، وما زال ملف المعتقلين والمفقودين مفتوحاً، ويتدهور الوضع الاقتصادي، وما يدل على ذلك تراجع قوة الليرة السورية أمام سلة العملات وتشير توقعات المختصين إلى تفاقم ذلك خلال الفترة القريبة القادمة، مما ينذر بإنهاك الاقتصاد الوطني في المجالات كافة. وتشهد الأسواق فلتاناً في أسعار مواد الاستهلاك الشعبي، مما يؤثر سلباً على مستوى معيشة المواطنين، مضافاً إليها عدم توفر بعض السلع الإستراتيجية كالمحروقات، وتزداد مظاهر الفلتان الأمني بتفشي حالات الجريمة والقتل والخطف في بعض مناطق البلاد، وعلى أثر كل ذلك يزداد طرداً قلق المواطن السوري على حياته ومستقبل البلاد.
فاتحة الكتابة عن المشهد السوري الراهن هي التأكيد على أن الحركة الاحتجاجية السلمية في البلاد هي عملية تاريخية موضوعية، وهي في التحليل العميق نتيجة حتمية لمظاهر القهر الاجتماعي والسياسي في ظل سيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية الطفيلية التي قوننتها البرجوازية الريعية السورية في السنوات الأخيرة، مثلغيرها من الشرائح الاجتماعية الحاكمة أو المتنفذة في بلدان رأسمالية الأطراف، التي تشكل امتداداً موضوعياً على منظومة الرأسمال المالي على النطاق الدولي، مع التذكير بإحدى أهم خصائص برجوازية بلدان الأطراف عامة وهي اتكاؤها على القمع المباشر لديمومة النهب وتراكم الثروة.
من البدهي القول إن جذر كل صراع، هو صراع على الثروة وطريقة توزيعها، وهكذا هي الحال بالنسبة للأزمة الوطنية التي تعصف بالبلاد منذ عام ونيف، فالسياسة الاقتصادية الليبرالية التي اعتمدت في البلاد كنتيجة حتمية للفساد المزمن، وقصر النظر السياسي، كانت إحدى أدوات قوننة النهب، وتمركز الرأسمال لدى قلة قليلة من الناهبين الكبار،
في سياق متابعة مواقف المثقفين العرب من الأزمة السورية، نجد أن قسماً منهم قد حسم أمره وباع قلمه في سوق النخاسة النفطي، ونجد أن قسماً آخر يبدي -محقاً- قلقه على سورية، ويدعو إلى استنفار قومي ووطني للتصدي لـ« المؤامرة».. كيف؟
أراد التاريخ بكل تعرجاته ومفارقاته أن تكون الأرض السورية موطناً لثقافات متعددة من خلال تنوع الانتماءات واللغات والعادات والتقاليد المتجذرة في ثنايا الزمان والمكان والتي أخذت شكلاً دينياً أو إثنياً ومحتوىً إنسانياً لتشكل معاً فيما بعد جانباً من جوانب بنية الهوية الوطنية السورية..
في برزخ الانتظار.. في المرحلة الانتقالية بين موت القديم وولادة الجديد، ورغم كل آلام المخاض ثمة ثقافة جديدة تتكون، ثقافة يُعبِّر عنها المسيح السوري الجديد المعلق على صليب ثقافة الفضاء السياسي القديم وثنائياته التي ذبحت الحقيقة بسيف البروباغندا، أو غيّبتها في زنزانة الذرائع
ما الذي يجمع «الثقافة» الليبرالية مع الفكر الديني؟
ضج الوسط الثقافي السوري، في العقدين الأخيرين بالحديث عن الحداثة، والمجتمع المدني، والنهضة وما إلى ذلك من رؤى ومصطلحات ومفاهيم كانت تبدو للبعض أنها جديدة، وتحمل- فيما تحمل- مشروعاً ما، ربما تعوّض عن حالة «الفوات» الحضاري، و«الكوميديا السوداء» التي تتراءى لنا على مسرح «اللامعقول»السوري..
هل يمكن أن تقول الشيء وعكسه في الوقت ذاته؟ في التراجيديا السورية ثمة من يحاول، ثمة من يدير بكلامه رحى طاحونة الدم، وتراه على المنابر يبكي على هذا الدم..
من فضائل الأزمات أنها تفرض على الجميع التعاطي مع الشأن السياسي، بمن فيهم «المثقفون». فتصبح السياسة جزءاً من الهم اليومي حتى لمواطن يعيش في الأقاصي، سواء أكان غائباً أو مغيّباً عن ساحة الفعل والتأثير. وتبقى المشكلة أنه ليس بمقدور الجميع إيصال آرائهم إلى كل الناس، فيقتصر الأمر على النخبة، والنخبة في ظروف الأزمات غالباً ما تكون مصنّعة ومقولبة يتسم خطابها بالأحادية والنمطية والذرائعية، كما هي الحال مع أغلب النخب السورية التي تتعامل مع السياسة في فترة الأزمة الحالية عموماً بطريقة قراءة الطالع، أو اللهاث وراء الشعبوية، أو باعتبارها بابأ للارتزاق، أو طريقاً إلى النجومية.. أو...