السخرية في مواجهة القوة والسلطة
ثمة مشهد غريب اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التي نقلت الاحتجاجات والمظاهرات في الولايات المتحدة، خلال الأسابيع القليلة الماضية. فقد ارتدى الناشطون المشاركون في الاحتجاجات أزياءً على شكل حيوانات قابلة للنفخ.
تبرز وسائل الإعلام الاحتجاجات في البلد الذي يتبنى تصدير الديمقراطية للآخرين حتى بالعنف والتدخل المباشر في شؤونهم الداخلية، على أنها احتجاجات لمعارضة إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، والرئيس ترامب بعد عودته إلى الرئاسة وتجديده سياسات الهجرة القمعية. ولكن الحقيقة أبعد من هذا التبسيط، فالمظاهرات في الشوارع تحمل في عمقها هذه المرة احتجاجاً على السياسات العميقة التي تمارسها الولايات المتحدة في الداخل وفي العالم. ولم يكن ادعاء إدارة ترامب بأن الاحتجاجات هي «عبارة عن تظاهرات عنيفة تدعو إلى «كره أمريكا» سوى تعبير عن ذلك.
قبل أيام من المظاهرات، لوّح ترامب باستخدام قانون التمرد لنشر قوات في بورتلاند وشيكاغو، بعد أن منعته المحكمة في أيلول الماضي، من إرسال الحرس الوطني إلى أوريجون. كما أعلن حاكم تكساس جريج أبوت، أنه سيعزز الإجراءات الأمنية في عاصمة الولاية أوستن، بنشر عناصر من الحرس الوطني والشرطة الراجلة ووحدات الدعم الجوي.
نشر موقع «The Conversation» الأمريكي مقالاً هاماً قدم فيه قراءة ثقافية وسياسية للفكاهة كأداة احتجاجية، استناداً إلى تحليل الظاهرة الاحتجاجية غير التقليدية التي يستخدم فيها الناشطون الأزياء الساخرة والرموز الفكاهية، مثل بدلات الحيوانات القابلة للنفخ.
فقد استخدم المتظاهرون في بورتلاند وجميع أنحاء الولايات المتحدة الفكاهة والأزياء في تظاهراتهم، وحصد أحد مقاطع الفيديو المنشورة في تشرين الأول- ويظهر فيه أحد عناصر إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية وهو يرش رذاذ الفلفل في فتحة تهوية زيّ ضفدع قابل للنفخ يرتديه ناشط- أكثر من مليوني مشاهدة.
«لا تطع»
كشف هذا المقطع عن المستويات السخيفة للقوة التي تلجأ إليها الشرطة والحكومة ضد المتظاهرين السلميين. وكان المتظاهر قد صرح في تعليق له أنه يحاول دحض رواية «المتطرفين العنيفين»، التي أطلقها الرئيس والحكومة الفيدرالية، وكانت النتيجة مشهداً مثيراً للدهشة إذ سرعان ما أصبح ضفدع بورتلاند رمزاً للمقاومة، بحيث ظهر على القمصان واللافتات وفن الشوارع، بما في ذلك محاكاة ساخرة لتصميم الفنان شيبارد فيري الشهير «أطع» والذي جرى استبدال كائن برمائي كرتوني مُحاط بكلمات «لا تُطع». بالوجه الاستبدادي، وسواء أدرك المتظاهرون ذلك أم لم يدركوه، فإن هؤلاء الناشطين المتنكرين «يسهمون في كتابة تاريخ حافل باستخدام الفكاهة والأزياء للحشد ضد السلطة وتحدّيها.» حسب الموقع المذكور.
العبث الاستراتيجي
كما انتشرت أيضاً على نطاق واسع عدة مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين. يستخدم ضفدع بورتلاند وأصدقاؤه بعض الأساليب والطرق التي جرى استخدامها سابقاً في مكان آخر كما فعل جيش المهرجين المتمردين السريين (CIRCA) في لندن، فقد ارتدى أعضاء CIRCA ملابس المهرّجين خلال الاحتجاجات المناهضة للحرب في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولعبوا لعبة المطاردة حول صفوف الشرطة، وعانقوا الضباط، وساروا في رقصات غريبة... فكان رقصهم وحركاتهم الشبيهة بالرسوم المتحركة تجعل من المستحيل تصويرهم كبلطجية.
تشير الباحثة إيف كاليفا، إلى أن مثل هذه الأفعال تستخدم «العبث الاستراتيجي»: أي السخافة أو العبثية بطريقة تظهر الحوار بين الشرطة والمتظاهرين من منظور مختلف عن المألوف، «فمن خلال الظهور بمظهر مرح لا مُهدّد، يُواجه الناشطون المُتنكرون مباشرةً الروايات التي تُصوّرهم كتهديدات عنيفة».
وقد ولّد زيّ الضفدع مقلّدين، إذ تكاثرت هذه المخلوقات في الاحتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك تظاهرات «لا للملوك» الأخيرة. وأطلقت مجموعة من الناشطين موقعاً إلكترونياً باسم«Operation inflation»، يجمع التبرعات لشراء بدلات قابلة للنفخ للمتظاهرين، بهدف جعل المقاومة أكثر وضوحاً ومرحاً وأماناً.
التضامن المجرّد
في 12 تشرين الأول، انضم آلافٌ من راكبي الدراجات العراة إلى متظاهري بورتلاند المناهضين لإدارة الهجرة والجمارك وكان الكثير منهم يرتدي بزته القابلة للنفخ - في سباق الدراجات العالمي الطارئ للعراة. وكما كتبت مصممة الأزياء والمؤرخة كاميل بيندا أن العري في الاحتجاج يكشف عن مدى ضعف الجسد أمام عنف الدولة.
«الضفادع معاً قوية»
تظهر هذه المحاولات شيئاً من حساسية المشهد وعبثيته. ويُتيح هؤلاء المتظاهرون آفاقاً جديدة للتحرك المباشر في وقتٍ تُهدد فيه حقوق الكثيرين وحرياتهم. وقد أفادت التقارير بأن إدارة الهجرة والجمارك زادت ميزانية أسلحتها بنسبة 700% عن العام الماضي. ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان ترامب سينشر الحرس الوطني في نهاية المطاف. لكن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، تواصل الضفادع وأصدقاؤها التكاثر. وتُذكرنا لافتاتهم التي تُعلن «الضفادع معاً قوية» بالقوة التي تُصنع بالوحدة والسخرية من القوة والسلطة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1250
فاطمة الخلف