بالزاوية: بين التوصيف والتحليل!
تقتصر أغلب القراءات المتعلقة بالواقع السوري، على الجانب التوصيفي، أي الاكتفاء بعرض الوقائع كما هي دون الغوص في بنيتها الداخلية: مقدماتها، حركتها، قوى التأثير المتعددة، ومآلاتها.
إن عرض الواقع المحسوس وتوصيفه شرط ضروري لأية قراءة علمية ومسؤولة ولكنه غير كاف، ولا شيء يقصمُ ظهر الموقف المطلوب من حدث ما، ويمسخه ويحرّفه عن غاياته المفترضة، أكثر مما يفعل الاكتفاء بالتوصيف، خصوصاً في ظل «الدور الساحر» لوسائل الإعلام. فالفيض الإعلامي صوتاً وصورة عن الدم المسفوك، دون الحديث عن كيفية الحل وتجاوز الأزمة، يرسخ ويعزز ثقافة الحرب والنزعة الثأرية، ويقولب الوعي الاجتماعي بهذا الاتجاه، ويعمم الإحباط والانكفاء على الذات، ويساهم في تدمير العالم الروحي للإنسان السوري، وبالتالي يخلف فراغاً ثقافياً بحيث تصبح البنية مهيئة لتقبّل أي شيء وخصوصاً في ظل فرض أسئلة ذات طابع وجودي على السوريين، دون منحهم فرصة للتفكير بالإجابة الصحيحة.
إن الشرط اللازم لأي نشاط يحمل طابعاً معرفياً حقيقياً في الحقل الثقافي عامة، والخطاب السياسي منه تحديداً، هو اقترانه بتقديم الخيارات الأخرى عن الواقع، وليس عبر «الندب» و«النواح» وعرض «المآتم» على الشاشات التي تزرع في النسيج الاجتماعي جينات القلق والتوتر العصابي والرُّهاب وردود الأفعال اللاإرادية، بل يجب أن يكون نقدياً تجاه هذا الواقع، عاملاً على تجاوزه في الاتجاه الصحيح، وإلا فإنه سيبقى أشبه بأحاديث رواة السيّر والملاحم، وحكايا الجدات، دون أن ترتقي إلى مستواها الجمالي طبعاً.
كما أنه من إحدى أهم إشكاليات ومآزق هذا الخطاب التوصيفي، الطاغي حضوره لدى مختلف وسائل الإعلام، هي أنه يطرح الأسئلة الصحيحة، ولكنه «يضلل» في صياغة وتقديم الإجابات الدقيقة، بل يقدم «مرافعات بائسة في قضايا عادلة» كـ(الوطن، الثورة..) فتساهم بذلك في تشويه ما يمكن اعتباره «مقدسات» في الوعي الجمعي..!
غير أن «نظرية المعرفة» تجاوزت منذ «أفلاطون» الاقتصار على المحسوس فقط، أي ما يدرك بالحواس، بل أعلت من دور العقل والإدراك عبر التحليل والاستقراء والاستنباط.. فذهبت إلى ما يجب أن يكون، وليس الاقتصار على ما هو كائن.