الافتتاحية : من أزمة اقتصادية، إلى توتر اجتماعي وسياسي.. ماذا بعد؟
من البدهي القول إن جذر كل صراع، هو صراع على الثروة وطريقة توزيعها، وهكذا هي الحال بالنسبة للأزمة الوطنية التي تعصف بالبلاد منذ عام ونيف، فالسياسة الاقتصادية الليبرالية التي اعتمدت في البلاد كنتيجة حتمية للفساد المزمن، وقصر النظر السياسي، كانت إحدى أدوات قوننة النهب، وتمركز الرأسمال لدى قلة قليلة من الناهبين الكبار،
وهي التي ضربت الإنتاج الوطني في الصميم، وهي التي ألغت الدور الاجتماعي للدولة، وبالتالي هي التي أنتجت الفقر والبطالة والتهميش والقهر الاجتماعي وبالتالي هي التي أوجدت الأساس المادي للتوتر الاجتماعي الذي تحول إلى توتر سياسي وأمني وأزمة سياسية شاملة تكاد تطيح بالبلاد كوحدة جغرافية سياسية، والمثير، أنه على الرغم من هذه النتائج الكارثية يستمر العمل بتلك السياسة حتى الآن، وتلقي الأزمة السياسية الراهنة بظلالها على الوضع الاقتصادي المأزوم أصلاً، لتعقّد الموقف أكثر فأكثر، فالارتفاعات المستمرة بأسعار مواد الاستهلاك الشعبي، وانخفاض سعر الليرة، وتآكل الأجور والاختناقات المتكررة في بعض المواد كالمحروقات، وتسريح عشرات الآلاف من عمال القطاع الخاص، وإغلاق آلاف الورش الصغيرة والتي أدت إلى المزيد من التدهور في المستوى المعاشي لجميع الشرائح والطبقات الاجتماعية، إلا طبقة الأثرياء التي سارعت كعادتها إلى تأمين ثرواتها خارج الحدود لأنها لم تنظر إلى الوطن يوماً إلا كونه غنيمة.
إن التأثيرات السلبية للأزمة السياسية الراهنة على الوضع الاقتصادي لأوسع شرائح الشعب السوري تتعمق عمودياً وأفقياً وتهدد بالوصول إلى المفاصل الأساسية في الاقتصاد الوطني، بما يحمله ذلك من إمكانية انهيار بنية الدولة، بسبب الاستمرار بالسياسات الاقتصادية الليبرالية، والمنطق المتبع في إدارة الأزمة، وهذا ما يؤسس لانفجار اجتماعي أشد وطأة من السابق، انفجار ذي طابع مركب اقتصادي اجتماعي سياسي،بمعنى آخر إن البلاد منذ اعتماد السياسات الليبرالية تدور ضمن حلقة مفرغة، أزمة تنتج أخرى، الأولى تؤسس، والثانية تعمّق الأولى وتعطيها أبعاداً أخطر، ومن هنا كان التأكيد دائماً على ضرورة الإقلاع عن هذه السياسات باعتبارها جذر الأزمات كلها، ومن هنا كان التأكيد أيضاً على حق الشعب السوري وقواه الوطنية في كل المواقع بابتداع الأساليب النضالية ضد هذه السياسة ومقدماتها ونتائجها، وهي التي كشفت من خلال ما أنتجته عن عقمها وعدم صلاحيتها للظرف السوري، ومن أجل نموذج اقتصادي بديل يحقق العدالة الاجتماعية والنمو الحقيقي، وبعد أن تأكد للجميع وبالتجربة الملموسة أن تلك القوى الدولية التي شجعت تبني هذه السياسة في البلاد، ورعت المؤتمرات الخاصة بذلك بداعي تهيئة الاقتصاد السوري للاندماج« الشراكة الأوربية- المتوسطية نموذجاً» تأكد أنها قوى معادية للشعب السوري ومصالحه الحقيقية، وعدا عن كل ذلك فإن الاستمرار بهذه السياسة يخالف منطق التطور التاريخي وتوجه العالم نحو نظام بديل بعد عجز الرأسمالية على النطاق العالمي عن تامين أي حل جدي لمشاكل البشرية وعذاباتها.
نختصر ونقول: إن استمرار الوضع الاقتصادي على ما هو عليه يعني انفجاراً اجتماعياً أشد قوة، وأكثر كلفة على البلاد والعباد، ربما لا تنفع في معالجته الإجراءات السياسية، وإن من أهم مرتكزات معالجة الأزمة اجتثاث الفساد الكبير، وإعادة توزيع الثروة وهذا يتطلب إجراء سياسياً بالدرجة الأولى، وأن معالجة الوضع الاقتصادي بالملموس تعني محاربة البطالة والفقر، وتأمين نسبة نمو عالية وإيجاد الموارد والأدوات اللازمة لتحقيق ذلك.