رمزي السالم
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
استذكار الحدث الأبرز في تاريخ الشيوعيين السوريين «ذكرى التأسيس» كما يليق بالمناسبة، وكما يليق برصيد الشيوعيين السوريين، يكمن أولاً وقبل كل شيء في الاستمرار، في استكمال ذلك السِفر الكفاحي الذي خطّه الرواد الأوائل، في إغناء تلك التجربة التاريخية الزاخرة بالكفاح الوطني والطبقي والديمقراطي، في العمل بأرقى ما أبدعه العقل البشري في ميدان علم الاجتماع «الماركسية – اللينينية» بعيداً عن العدمية والجمود وتطبيقها بشكل خلاق ومبدع في الظروف السورية، في استنهاض تلك الروح الكفاحية العالية التي تميز بها الآلاف من السوريين، وكان لهم نصيبهم من الحرمان والملاحقة والاعتقال والمنافي والاستشهاد، حتى أصبحوا رقماً في المعادلة الوطنية السورية لايمكن لكائن من كان أن يتجاهله، وإن كان البعض يحاول أن يشكك به مرة، أو يقلل من أهميته، ويشوهه مرة أخرى، أو بعض آخر يحوّله إلى مجرد بكاءٍ على الأطلال وتغنٍ بالأمجاد..
كتب الكثير عن معركة كوباني، وقيل عنها الكثير، ولا غرابة في ذلك طالما أنها فعل نوعي استثنائي، كسرت تقليد الفزاعة «الداعشية» وقدرتـ«ها» على استباحة مدن، واحتلال مساحات واسعة من الأرض، ومواجهة جيوش نظامية فأصبحت هذه «المعركة الكبيرة» في بلدة صغيرة منعطفاً في الأزمة السورية كلها، لابل تحولاً في الظرف الإقليمي، وربما تأخذ أبعاداً عالمية من حيث الدلالات والمعاني كما يرى محللون..
الأزمة السورية وصلت إلى ذلك المكان الذي لم يعد يتجرأ أحد فيه أن يخرج من دائرة البحث عن «الحلول»، بعد أن بلغت هذه الأزمة ذروتها وبعد أن استنفدت القوى نفسها، فبدأت حتى كثير من تلك القوى المسببة للأزمة بالحديث عن «الحل»، ولكن ليس لكسر الحلقة المفرغة للأزمة بل للاستمرار فيما بدأت به، من بوابة الحل نفسه هذه المرة، أي للتحكم بالحل، وذلك بغض النظر عن طبيعة «الحل» الذي يرتئيه هذا الطرف أو ذاك..
ترك توقيع مذكرة التفاهم بين جبهة التغيير والتحرير، وهيئة التنسيق الوطنية ردود أفعال مختلفة، عبرت عن تناقضات القوى السياسية السورية ودورها في الأزمة ورؤيتها للحل، خريطة الآراء حول مذكرة التفاهم تضمنت المشكك بها والنظر إليها على أنها مجرد إعلان على ورق لايقدم ولا يؤخر، وبين من رآها خيط نور في آخر النفق المعتم، وبين من رفض الفكرة وعبر عن موقفه من خلال منع وصول ممثلي وسائل الإعلام إلى مكان انعقاد المؤتمر من الأجهزة الأمنية، في محاولة للتعتيم عليه من جهة، وإرسال رسائل متعددة إلى الموقعين عليه من جهة أخرى.
من المقولات التي تم الترويج لها في وسائل الإعلام، وترددت على ألسنة الكثيرين من «الساسة» و «المحللين» في السنوات الأخيرة فكرة «حماية الأقليات» وانطلاقاً من الوضع المتأزم، واستناداً إلى البنية الديمغرافية المركبة لبلدان المنطقة، تحاول قوى عديدة تعميم فرضية في الوعي الجمعي مفادها: من حق «الأقليات» أن تحمي نفسها ، وتنجر إلى الحرب مكرهة، وبالتالي الوصول إلى حروب متعددة الجبهات، والخنادق، وفي هذا السياق تصاعد الحديث عن هذا الموضوع في الأيام الأخيرة بعد ما تعرض له مسيحيو الموصل على يد ما يسمى «تنظيم دولة العراق والشام الاسلامية»
حتى الأمس كان الكثيرون من «الحكواتيّة» في المنابر الإعلامية، ينكرون حقيقة التراجع الأمريكي، و«يستخفون» برأي من يتحدث في هذه الحقيقة ويبني عليها، إلى أن جاءت الوقائع العيانية سواء كانت في النووي الإيراني أو الملف السوري أو الأوكراني.. لتؤكد عملية التراجع التي لم يسمح المستوى المعرفي للـ«حكواتيه» باكتشافها في الوقت المناسب، أوحاولوا التغطية عليها، وعندما بات واضحاً أن واشنطن لم تعد الآمر والناهي
حرب ضارية على «رقعة الشطرنج»، تتعدد الجبهات من بلد إلى آخر، ومن موقع إلى آخر ضمن البلد الواحد، بيادق
يكتنف المشهد على المسرح السوري درجة عالية من السريالية والتعقيد. ثمة تداخل بين الأبعاد الداخلية والخارجية للأزمة، وتتشابك الخطوط والخيوط بين القوى المختلفة بين المعارضة والمعارضة، وبين المعارضة والنظام، وبين المعارضة والخارج، وبين النظام والخارج.. صعود قوى وتراجع قوى أخرى، يتقدم هذا الطرف اليوم ويتراجع الطرف نفسه غداً، يبدو الوضع أحياناً وكأنها دوّامة، ثمة ضبابية وتشويش في اللوحة، خصوصاً لدى من يتفحص «فانتازيا» العنف على الأرض السورية بالعين المجردة لاهثاً وراء التفاصيل اليومية في الحدث.
سورية إلى أين...؟ السؤال الذي طرحته الأزمة منذ اليوم الاول على جدول أعمال جميع القوى، ما زال قيد البحث فالمعركة لم تحسم بعدـ وبالتالي تبقى الاحتمالات مفتوحة والإجابة معلقة في فضاءات الأزمة..
من سمات الأزمات الكبرى والمديدة أنها تطرح على بساط البحث أسئلة كثيرة، تفرض نفسها على جميع الأطراف التي لها علاقة بالأزمة المعنية، بحيث لامفر من الإجابة، وخصوصاً في أزمة من وزن الأزمة السورية التي خلّفت كل هذا الدم وهذا الدمار المادي والروحي، وهذه التداعيات والمخاطر، التي باتت تهدد إقليماً كاملاً.