رمزي السالم
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
فرضت الأزمة ايقاعها على مختلف مظاهر الحياة اليومية للمواطن السوري، بما فيها موضوع أمنه الشخصي، فباتت حالة القلق والترقب والخوف من المجهول هاجساً عاماً، مما يضع على جدول أعمال الأزمة بُعداً جديداً يتعلق بالأمن الاجتماعي.
من مزايا المرحلة التاريخية الراهنة أنها مرحلة الأسئلة الجديدة التي تطرح على جدول الأعمال بتواتر شبه يومي، بعد أن خرجت الأحداث من دائرة «السكون المغلقة» التي عهدناها في ظل ما أطلق عليه مرحلة «الركود السياسي».
اصطلح على نموذج الدولة التي تشكلت في بلدان العالم الثالث، بعد الحرب العالمية الثانية بـ «الدولة الوطنية»، حيث تشكل هذا النموذج في ظل وضع تاريخي محدد سمته الأساسية والعامة، وجود توازن دولي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، فرض منطقه على مجمل العلاقات الدولية.
تداولت وسائل الإعلام في الأسبوع الفائت خبر انضمام دول جديدة إلى الحرب على داعش في سورية، وإعلان البدء بقصف طائرات بعض هذه الدول مواقع التنظيم في سورية، كانت البداية من بريطانية توأم واشنطن، وثم ايطاليا، وفرنسا، وليس آخراً استراليا...، وفي هذه الأثناء أيضاً، كانت بلغاريا قد أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية إلى سورية.
موسكو.. الدوحة.. مسقط ..طهران، نيويورك.. القاسم المشترك بين العناوين الخمس خلال الشهر الفائت، كان عقد مشاورات ثنائية، وثلاثية، وتقرير دي مستورا إلى الأمين العام للأمم المتحدة.. تتعلق بالحل السياسي للأزمة السورية، شاركت فيه بشكل مباشر أو غير مباشر القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية، روسيا – الولايات المتحدة – السعودية – قطر إيران... بالتوازي مع خطوط اتصالات ساخنة من ممثلي الدول، مع أصحاب القرار في بلدانها للوصول إلى نتائج ملموسة.
كالمستيقظ من غفوة، استنفر النظام التركي بكل قواه، وأعلن وعلى نحو متزامن وبدفعة واحدة الحرب على أكثر من جبهة، بين حرب ناعمة.. وحرب سلاح، حرب على داعش؟ وحرب على حزب العمال الكردستاني، والإلحاح في الدعوة إلى التدخل في سورية مع تحشيد قواته على الحدود..
من الشروط الأولى لفهم أية قضية فهماً حقيقياً، ومنها القضية الكردية، هي قراءتها قراءة متكاملة، بعيداً عن المواقف المسبقة، والخاضعة على مدى التاريخ الحديث للتجاذبات القومية، والتناول أحادي الجانب مرة، والتعميم مرة أخرى، ومن دون الوقوف عند خصائصها. وهذا ما وضع الجميع أمام خيارات مسدودة في أغلب المنعطفات التاريخية التي مرت بها القضية، الأمر الذي ينبغي ألا يتكرر في ظروف الاضطراب الإقليمي والدولي الراهن، سواء كان من خلال الاستمرار في إنكار حقوقه القومية من جهة، أو من خلال محاولة تجيير القضية لصالح المشاريع الدولية، من حيث يدري البعض أو لا يدري، من جهة أخرى، فكلتا الحالتين تعنيان جعل القضية الكردية مجرد أداة توتير جديدة في المنطقة.
الصراع الدائر في البلاد هو بالمحصله صراع على اتجاه تطور الدولة السورية، من حيث طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي، والبنى الفوقية المتوافقه معه، وشبكة العلاقات الدولية والاقليمية، وتالياً بالدور الإقليمي الذي تفرضه الجغرافيا السياسية على سورية.
مؤتمر آستانا، مؤتمر القاهرة، مؤتمر الرياض، ولا ندري ربما نسمع بعد قليل عن مؤتمر في الموصل «عاصمة دولة الخلافة» ولِمَ لا؟ طالما أن كل الأحصنة بدأت تتروض في حلبة التوازن الدولي، وأن الكثير من كركوزات السياسة والثقافة باتت مكرهة بالرقص على اللحن الجديد، لحن الحل السياسي، بعد ان اضطر المايسترو أن يوقف المارش العسكري، بينما كان المرء يكاد لايرى حتى بالبحث المجهري كياناً سياسياً، يتحدث عن إمكانية الحل السياسي قبل أشهر، بل على العكس، كان الحديث بالحل السياسي تجديفاً بـ«الثورة»، أو بـ«الوطن» في عرف الرؤوس الحامية من هنا وهناك، أو على الاقل أمراً غير واقعي، وغير ممكن حسب منطق ووعي «حمائم» الأزمة، البكاءون والندابون كلما تحدثوا عن التراجيديا السورية..
من إحدى السمات المشتركة للنخب السياسية السورية المعارضة منها والموالية منذ تفجر الأزمة، هي حالة الإرتباك التي تعاني منها في معرفة اتجاه تطور الصراع الدولي ومآلاته، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى التخبط المستمر في فهم الأزمة السورية بأبعادها المختلفة، والتعاطي الصحيح مع مستجداتها، وإمكانية الخروج منها، وخصوصاً بعد أن تمت عملية تدويلها، إذ لم يعد ممكناً قراءة أي ملف من الملفات الدولية - ومنها الملف السوري - قراءة صحيحة إلا من خلال فهم معمق لخريطة التوازن الدولي الناشىء ومستوى ثباته أو تأرجحه، في سياق الصراع الدائر بين القوى الدولية على طرفي التوازن الجديد، على أكثر من ساحة وفي أكثر من مجال، ومعرفة مصالح كل منهما، سواء كانت العامة منها على المستوى الدولي، أوتأثير هذه المصالح على الخاص في كل بلد.