أسئلة عديدة.. وإجابة واحدة!
يكتنف المشهد على المسرح السوري درجة عالية من السريالية والتعقيد. ثمة تداخل بين الأبعاد الداخلية والخارجية للأزمة، وتتشابك الخطوط والخيوط بين القوى المختلفة بين المعارضة والمعارضة، وبين المعارضة والنظام، وبين المعارضة والخارج، وبين النظام والخارج.. صعود قوى وتراجع قوى أخرى، يتقدم هذا الطرف اليوم ويتراجع الطرف نفسه غداً، يبدو الوضع أحياناً وكأنها دوّامة، ثمة ضبابية وتشويش في اللوحة، خصوصاً لدى من يتفحص «فانتازيا» العنف على الأرض السورية بالعين المجردة لاهثاً وراء التفاصيل اليومية في الحدث.
في أزمة كهذه وفي غمرة عرض تفاصيل المشهد يغيّب الرئيسي والأساسي في الظاهرة. وفي اللهاث وراء العام فقط تغيب خصائص الظاهرة، مع العلم أن اكتشاف هذه الخصائص والإنطلاق منها ضرورة لاغنى عنها لاستنباط الحل الحقيقي للأزمة.
الإمساك بالحلقة الرئيسية!
في أزمة على هذا المستوى من التعقيد والتداعيات، ما ينبغي معرفته أولاً وقبل كل شيء وعدم نسيانه وتجاهله هو الحلقة الأساسية التي تدور كل مكونات الأزمة الجزئية حولها. في أزمة كهذه ثمة أسئلة كثيرة تفرض نفسها بشكل يومي.. لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟.. إلى متى؟.. ما هو المخرج؟ ومن الذي سينقذ البلد، وكيف؟.. وما مصيرنا؟ وغيرها من الأسئلة التي تعكس هواجس المواطن السوري وقلقه، وتعكس رغبته في الخلاص في آن معاً.
لم يغب عن بال القوى الجدية في سورية، لحظة واحدة، ومنذ بداية الأزمة، أن حسم الصراع عسكرياً هو مجرد وهم، وقبض للريح في ظل توازن القوى الحالي، الإقليمي والدولي والمحلي، وعلى أساس هذا الاستنتاج كان القول دائماً إن الحل السياسي هو الخيار الوحيد، وهو المفتاح لكل الأبواب المغلقة في المأساة السورية. وإذا كانت هذه القراءة لم تكن خاضعة للتجربة في البداية مما أدى إلى إيغال الأطراف المتحاربة في محاولة الحسم، فإن تجربة ثلاث سنوات كافية حتى للأعمى أن يبصر، وللأطرش أن يسمع، وللأخرس أن ينطق بأن انتصار طرف ما من السوريين بقوة السلاح ليس وهماً فقط، بل كان استمرار العنف البوابة التي دخل منها كل شذاذ الآفاق، من تكفيريين وقتلة مأجورين وأجهزة استخبارات دولية وإقليمية وشركات أمنية على خط الأزمة.. وإذا كان خيار الحل السياسي بين السوريين لم يجد فرصة حتى الآن بأن يكون هو الخيار المعتمد فذلك لايلغي الحقيقة الأساسية بأنه يبقى المخرج الوحيد، والممر الإجباري لحل الأزمة، لا بل أن الهاوية التي وصلت إليها البلاد تؤكد أهمية هذا الرأي أكثر من أي وقت مضى، فهذه الحقيقة لاتسقط بالتقادم وتظل آنية وراهنة طالما استمر العنف.
قولبة الحل السياسي!
من سخريات القدر- وما أكثرها هذه الأيام- أن يطلع أحد من الذين يسيل الدم من أشداقهم، ولو بعد حين ويقدم نفسه على أساس أن فكرة الحل السياسي هي خاصته، وماركة حصرية مسجلة باسمه.. ولكن أي حل سياسي؟
رفض الحل السياسي لايكون برفضه فقط كما حدث ويحدث حتى الآن، بل بمحاولات تشويهه وتمييعه وإفراغه من محتواه أيضاً، ولعل أخطر هذه المحاولات هو الذهاب خطوة باتجاه التقسيم والانزلاق إلى مستنقع التحاصص..
بعد الأحداث الأخيرة في العراق ارتفع الصراخ الطائفي والاثني بشكل غير مسبوق في عموم الإقليم– أغلب الظن هذه كانت إحدى وظائفها– وازداد التخندق على هذا الأساس، وجرت محاولات عودة فاعلة «للمنقذ» الأمريكي إلى الساحة، وفي مختلف التصريحات الأمريكية تم ربط الوضع العراقي بالوضع السوري، وعندما تكون أمريكا حاضرة، ولو لم تكن في أحسن حالاتها كما هي الآن فـ«علينا أن نتحسس عقولنا»، ونشك حتى في ماهية معزوفة الشارة التي تسبق بث الخبر..
الحلول الأمريكية في مثل هذه الظروف هي حلول مؤقتة تحمل في طياتها جينات التفجير في اللحظة التي يرتئيها الراعي الامريكي، هكذا «لملم» بريمر الوضع العراقي بعد انهيار الدولة العراقية، وهكذا تكونت الـ«لويا جيركا» الأفغانية، وهكذا تمت مقايضة وحدة السودان ببقاء البشير في الحكم، وهكذا «ترتب» الأمر في ليبيا...
الأمر الآخر الذي يستدعي رفع درجة الحذر هنا، ويطرح أسئلة جديدة، هو تلك التصريحات الرسمية التي تحاول إرسال رسائل بطريقة ما إلى الغرب والتلميح إلى ضرورة المواجهة المشتركة للإرهاب؟
إن البحث عن حلول «سياسية» للأزمة من خلال أي شكل من أشكال التقاسم بداعي خطر الإرهاب، هي التفاف على الحل السياسي الحقيقي. فالحل السياسي الوحيد الذي يعبر عن مصلحة السوريين هو ذاك الحل الذي يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، بما لايلغي خصوصية أحد قسرياً، وفتح الطريق أمام عملية التغيير الجذري الشامل، وهو الجواب الشافي على كل الاسئلة التي طرحتها الأزمة السورية.. ومنها كيفية قيام مواجهة حقيقية للإرهاب ودحره، بعيداً عن أي تناغم مع مشاريع صنّاعه ورعاته ومموليه تحت أية حجة وأي ظرف.