ثروتنا النفطية، وبيعها، وبيع الأوهام باسمها!
تتراوح تقديرات احتياطيات النفط المتبقية في سورية بين 1.8 و2.5 مليار برميل. وسطي سعر برميل النفط خلال الأشهر الخمسة الماضية هو 68 دولاراً للبرميل. بين أساليب التضليل المستخدمة: القفز إلى استنتاج خاطئ عبر عملية حسابية بسيطة بالشكل التالي:
إجمالي الثروة النفطية = الاحتياط (بالبرميل) * سعر البرميل.
إذا طبقنا هذه المعادلة (المضللة)، نستنتج أن إجمالي الثروة النفطية في سورية يتراوح بين 122.4 و170 مليار دولار.
التضليل في هذه المعادلة يتلخص في ثلاثة مستويات:
أولاً: تكاليف الاستخراج والتكرير والتسويق
النفط كاحتياط هو «سمك بالمي»، وكي يصل إلى مرحلة البيع، فهو يمر بمراحل متعددة تتضمن استخراجه ونقله وتسويقه وحمايته وإلخ.
وسطي التكاليف من سعر كل برميل مستخرج (مع الأخذ بعين الاعتبار الخصم على العقود المستقبلية) لا يقل بأحسن الأحوال عن 35%.
أي أن القيمة الصافية التي نتحدث عنها ستنخفض إلى (80 - 110.5) مليار دولار.
ثانياً: ما هي حصة السوريين؟
بما أن السوريين لا يستخرجون النفط بأنفسهم، بل عبر التعاقد مع شركات أجنبية، فإن لتلك الشركات حصتها من المنتج. وإذا افترضنا أننا سنسير بالعقد المجحف الذي يجري الحديث عنه مع شركة أمريكية اسمها SYRUS، فإن الحكومة ستحصل على 30% من هذه الثروة الإجمالية. ما يخفض الرقم إلى (24-33.15) مليار دولار.
ثالثاً: متى؟
التضليل الإضافي ضمن المعادلة هو افتراض أن الثروة التي يجري الحديث عنها، باتت في جيوبنا... في حين إن عملية استخراج هذا الاحتياطي ستستغرق سنوات عديدة. وبافتراض أن الشركة الأمريكية ستنتج ابتداء من يوم غد 386000 برميل يومياً، (وهو أعلى رقم إنتاج يومي وصلت له سورية، مع إهمال أرقام التسعينيات لأنها كانت احتيالاً يتضمن تمرير نفط عراقي مهرب على أنه سوري)، فإن استخراج كامل الثروة النفطية في سورية سيستغرق من (13- 18 سنة)؛ أي أن دخلنا السنوي من العملية سيكون بحدود 1.8 مليار دولار سنوياً!
الاستنتاجات؟
أولاً: في بلد يجري تقدير احتياجات إعادة إعماره بين 250-900 مليار دولار، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار النفط السوري مورداً أساسياً يمكن الاستناد إليه ضمن هذه العملية.
ثانياً: ورغم أنه لا يمكن الاستناد للنفط وحده، إلا أنه ينبغي تحسين شروط استثماره للحد الأقصى، ما يعني أن نسبة 30% هي نسبة مجحفة بشكل فظيع، بحق بلد يحتاج كل قرش إضافي للنهوض من تحت الركام.
ثالثاً: وضع النفط لا يختلف كثيراً عن وضع الثروات الباطنية الأخرى، ما يعني أن منهجية العمل والتفكير الاقتصادية تحتاج إلى نقلة جذرية من الاعتماد على الميزات النسبية إلى الميزات المطلقة (راجع افتتاحية قاسيون العدد 1229)
رابعاً: نحتاج أيضاً إلى انتقال في عقلية التفكير الاقتصادي من منطق الاعتماد على النشاطات الريعية وقيلة الإنتاجية (مواد خام، سياحة، تجارة إلخ) إلى النشاطات الإنتاجية الحقيقية (صناعة، زراعة) وبالاستناد إلى الميزات المطلقة والمجمعات الصناعية الزراعية...
خامساً: ينبغي عدم بيع الأوهام للناس، والتعامل معهم بصدق ووضوح لأنهم هم المعنيون والقادرون على بناء بلادهم...