موسم المؤتمرات السوري..!
مؤتمر آستانا، مؤتمر القاهرة، مؤتمر الرياض، ولا ندري ربما نسمع بعد قليل عن مؤتمر في الموصل «عاصمة دولة الخلافة» ولِمَ لا؟ طالما أن كل الأحصنة بدأت تتروض في حلبة التوازن الدولي، وأن الكثير من كركوزات السياسة والثقافة باتت مكرهة بالرقص على اللحن الجديد، لحن الحل السياسي، بعد ان اضطر المايسترو أن يوقف المارش العسكري، بينما كان المرء يكاد لايرى حتى بالبحث المجهري كياناً سياسياً، يتحدث عن إمكانية الحل السياسي قبل أشهر، بل على العكس، كان الحديث بالحل السياسي تجديفاً بـ«الثورة»، أو بـ«الوطن» في عرف الرؤوس الحامية من هنا وهناك، أو على الاقل أمراً غير واقعي، وغير ممكن حسب منطق ووعي «حمائم» الأزمة، البكاءون والندابون كلما تحدثوا عن التراجيديا السورية..
(جنيف قصدنا.. والرياض سبيلُ)..!
السعودية ستستضيف مؤتمراً للمعارضة السورية، يقول الخبر، لا نصاب بالدهشة كما يفترض، مع العلم أن الاندهاش هنا حق مشروع لمن تابع الموقف السعودي، فالسعودية بدأت تتحدث عن حل سياسي.. لامفاجاة في ذلك أيضاً، رغم كل (النخوة) الطائفية للخطاب السعودي. لا غرابة في هذا الانقلاب المفاجىء في موقف الملك الجديد وبطانته، طالما أن دي ميستورا بدأ يجري المشاورات في جنيف، الأمر الذي يعني، أن (آمر العمليات) الأمريكي سيذهب - وإن مكرهاً- إلى الحل السياسي، فلابد والحال هذه، لـ»آمر العمليات) الإقليمي أيضاً أن يولف نفسه مع ذلك، والتحضير هنا يتطلب تحضير الأنصار في «الثورة» السورية ليكون لهم مكان في جنيف.
.. والآستانا السبيلُ.
انعقد مؤتمر في الآستانة أيضاً، و«الحمد لله»، أما لماذا الآستانة من دون كل عواصم الدنيا، وهي التي لا تأثير فاعل لها في الازمة، فالـ«علم عند صاحب العلم» لا سيما وأن طريقة انعقاده، وطريقة توجيه الدعوات، إلى الحضور ومخرجات المؤتمر كلها لم تضف شيئاً جديداً، اللهم إلا محاولة تلميع بعض الوجوه التي لم يحالفها «الحظ» في مؤتمرات أخرى..
والقاهرة أيضاً..
تقرع الطبول لمؤتمر آخر في القاهرة، وحسب التغطية الإعلامية اللافتة لتحضيرات هذا المؤتمر، سيكون مؤتمراً «تاريخياً» في نتائجه، لدرجة أنها تذكر بالتطبيل الذي حدث أثناء تشكيل ما يسمى «الائتلاف»، لاسيما وأن الحديث يجري علناً عند البعض عن كيان بديل للائتلاف، في حين أن الجهة الراعية وهي في هذه الحالة الحكومة المصرية تنفي ذلك، أي أن هناك محاولات من بعض الأطراف- وليس كلها قطعاً- لأن يكون مؤتمر القاهرة محاولة لإعادة إنتاج نسخة أخرى من (الائتلاف) تتوافق مع نسخة محددة من خيار الحل السياسي، بعد أن وصلت خيارات النسخة السابقة من ذاك التشكيل السياسي، الذي كان مصمماً لأن يكون تعبيراً سياسياً للعمل المسلح إلى أفق مسدود، وخصوصاً بعد الفضائح المتتالية للكثير من رموزه، أي تحضيره لل3تفاوض، أو الحوار مع النظام، وذلك تماشياً مع تلك الحقيقة التي تقول بأن الحل السياسي أصبح قدراً لا راد له.
في الدلالات:
أن تصبح ظاهرة عقد المؤتمرات المتعلقة بالحل السياسي للأزمة السورية شأناً يومياً، وخبراً متداولاً في وسائل الإعلام المختلفة، وأن يكون قسم من الراعين والداعين من قوى ودول وأنظمة كانت وحتى الأمس القريب، تجرّم وتكفر وتخون كل من يتجرأ بالدعوة إلى الحل السياسي، يعتبر كل ذلك بالمنحى العام ورغم الطابع الكاريكاتوري لبعضها، تقدماً ملحوظاً في توجهات القوى السورية المختلفة، ولكن ينبغي فهم هذا التقدم ضمن شروطه الحقيقية، حتى ينتهي إلى المآلات المطلوبة:
إن هذه المبادرات تؤكد تعزيز مكانة قوى السلم في التوازن الدولي الجديد، وإحدى دلالات قدرتها في فرض خياراتها.
إن هذه المبادرات الفرعية هي عبارة عن جواز سفر سياسي إلى إطار الحل السياسي المتوافق عليه دولياً للأزمة السورية، عبر جنيف أو غيره. فالكل بات يبحث عن مكان له في قطار الحل السياسي الذي سينطلق من هناك. وما يعزز هذه القناعة أن عقلية المزاحمة لدى الداعين والحاضنين مستمرة بدلالة أن استبعاد بعض قوى المعارضة من هذه المؤتمرات ما زال سارياً، في كل من مؤتمرات الاستانة والقاهرة والرياض، بهدف احتكار تمثيل المعارضة.
إن القوى التي تذهب مضطرة، ستحاول الإكثار من المؤتمرات الخالية من الدسم، والاشتغال على الوقت، وهدر المزيد منه، أو ستدخل إلى منظومة الحل السياسي لتلغيمه من الداخل، خدمة لأجندات محددة بعد أن فشلت في منعه، لاسيما وأنها كانت عائقاً أمام هذا الخيار منذ تفجر الأزمة.
(كفّارة) التأخير والتأخر؟
ما يمكن ملاحظته، هو أن جميع هذه المؤتمرات انتعشت او استحدثت، بما فيها مشاورات دي ميستورا في جنيف بعد انعقاد مؤتمر موسكو التشاوري، الأمر الذي يعني أن هذه المؤتمرات يمكن أن تكون محاولة التفافية على التقدم الذي حصل في لقاءات موسكو التشاورية، والتغطية عليه، أو تخفيض وزنه، مع العلم أن موسكو لم تستبعد في دعواتها أياً من هذه القوى، وأن المنطق الذي بنيت عليه تلك الاجتماعات هو منطق تجميعي، وعملي، وواقعي، أي أنها تحمل كل عناصر النجاح ضمناً، بعكس المؤتمرات الأخرى العرجاء حتى في خطواتها الأولى، أي خلال عملية التحضير لها، والسؤال هل ستستطيع هذه القوى تحقيق هذا الهدف؟
التجربة تقول إنها أعجز من أن تقف عائقاً أمام الحل السياسي، ولكن التجربة أيضاً تقول أنها تستطيع أن تقوم بوظيفة الإعاقة ولو مؤقتاً، الأمر الذي يعني المزيد من الاستنزاف السوري ليس إلا، وفي الوقت نفسه التفريط بما تبقى من وزن لبعض هذه القوى وخروجها من الحياة السياسية، في حين أن قوى منها لم تكن تمتلك وزناً أصلاً..