افتتاحية قاسيون 1117: إنّهم في مأزق!

افتتاحية قاسيون 1117: إنّهم في مأزق!

زاد عدد الاعتداءات «الإسرائيلية» على سورية خلال الشهرين الماضيين عن المستوى الذي وصله قبلهما. هذا الإيغال في البلطجة والتشبيح على الشعب السوري وعلى أرضه ومصالحه، ليس علامة قوة كما قد يُخيّل للبعض؛ بل هو على العكس تماماً، علامة مأزقٍ غير مسبوق، ليس للكيان الصهيوني وحده، بل وأيضاً لوكلائه الإقليميين، المعلنين وغير المعلنين.

بين أبرز إحداثيات المأزق الوجودي الذي يغوص فيه الكيان الصهيوني، ما يلي:

أولاً: الضعف المزمن والمتفاقم الذي يعانيه الحامي الأول لـ«إسرائيل»، أي الولايات المتحدة الأمريكية؛ بما في ذلك التراجع المتسارع لدور الدولار عالمياً، والخسائر المتراكمة ضمن المعسكر الغربي بأسره، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، ناهيك عن التناقضات في صفوف النخبة الأمريكية والتي تنعكس انقساماً حاداً في «إسرائيل» نفسها.

ثانياً: الدور المتعاظم للقوى الصاعدة في العمل على حلحلة الأزمات المعمّرة في منطقتنا، وأهم الأمثلة على ذلك هو: الوساطة الصينية- الروسية في حل الأزمة بين السعودية وإيران؛ الأمر الذي دمّر إلى غير رجعة، جملة من المشاريع الصهيونية الأمريكية في المنطقة، بينها «الناتو العربي»، و«اتفاقات أبراهام».

ثالثاً: اشتداد المقاومة الفلسطينية في كل بقاع الأرض الفلسطينية، ووصولها إلى حالة نوعية جديدة تتضافر فيها كل أشكال المقاومة، السلمية والعسكرية في مزيج واحدٍ فريدٍ في مدى صلابته، وفي مدى قدرته على استنزاف العدو بشكلٍ يوميٍ، وحوّل حياة المحتلين إلى كابوسٍ مستمر.

رابعاً: لا يشكل الانقسام السياسي الطافي على سطح أزمة الكيان، سوى قشرة خارجية لكتلة من العقد والأزمات العميقة والمتشابكة التي يعيشها؛ من أزمات ديموغرافية واقتصادية وأمنية، وغيرها مما سبق أن بيّنها بالتفصيل مركز دراسات قاسيون خلال الشهرين الماضيين.

رغم أنّ هذه الإحداثيات السالفة الذكر، يمكن أن تفسر جزئياً ارتفاع البلطجة اتجاه سورية خلال الشهرين الماضيين، إلا أنها لا تكفي لتفسير كامل.

التفسير الكامل ينبغي أن يأخذ بالاعتبار الاتجاه الذي تسير نحوه الأوضاع في سورية مؤخراً على المستوى السياسي. هذه الأوضاع تتلخص بالاتجاهات التالية:

أولاً: ثبت أنّ محاولات عرقلة وتعطيل وتأخير التسوية السورية التركية التي تجري برعاية أستانا، وتشكل باباً أساسياً للتنفيذ الكامل للقرار 2254، وبالضد من الرغبات الصهيونية والأمريكية، لن تجدي نفعاً، ولن يكون بمقدورها سوى أن تؤخر التسوية قدراً من الوقت، لن يكون طويلاً.

ثانياً: بالتوازي، فإنّ الأبواب الخلفية التي يحاول الكيان الدخول إلى سورية عبرها، وخاصة الإمارات الموصومة بعار التطبيع، وكذا ما يسمى المبادرة الأردنية، ومعهما المخطط المسمى «خطوة مقابل خطوة»، هذه الأبواب جميعها بدأت تنغلق بشكل كاملٍ تقريباً، وخاصة بعد التسوية السعودية الإيرانية.

ثالثاً: التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة، بدأت بتضييق الخناق على الصنف من تجار الحرب السوريين، الذين يعملون ضد التسوية السورية التركية، ولمصلحة سحب سورية إلى مستنقع التطبيع، أو على الأقل محاولة موازنة الكفة بين النقيضين الدوليين في إطار اللعب على الحبل وشراء الوقت، لعل وعسى يقف الأمريكي على قدميه مجدداً، فينقذ تجار الحرب من الحل السياسي ومن التغيير الذي لا مفر منه.

بالمحصلة، فإنّ الكيان الصهيوني، وكل من يتعاونون معه، قد دخلوا مأزقاً وجودياً لا مخرج منه. وأولئك الذين يرهّبون الناس بحروب يمكن أن يشنها الكيان، هم أنفسهم ومعهم الكيان يعيشون رهاباً ما بعده رهاب من أية حرب قادمة... لأننا لسنا في 2006 بل في 2023، والحرب فيما إذا وقعت، فليس بمقدور أحد التأكد من أنّ «إسرائيل» ستتمكن من شن أيّة حرب أخرى بعدها...

(English version)

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الأحد, 09 نيسان/أبريل 2023 20:35