افتتاحية قاسيون 1102: نهاية سنة وبداية عام
تنقضي سنة أخرى على السوريين في نفق آلامٍ طال حتى استبدت ظلمته بقلوب الناس، فبات معظمهم يظنون أنه ليس من انفراجٍ بعده؛ والظلمة لم تعد مجازية أو جزئية، بل باتت محسوسة تخيّم بسوادها على البيوت والمصانع والقلوب على حد سواء، ومعها البرد بلا وسائل تدفئة، والجوع بلا مقدرةٍ على درء لظاه ولظى الأسعار، والقهر بلا متنفس، وفوق ذلك كلّه البطر المتعجرف الذي لا يعلوه بطرٌ لـ «عَلِيّة القوم» الذين يعيشون كأنما في عالمٍ موازٍ.
استمرار الأزمات وتعمّقها، هو تعبيرٌ عن تكالب عاملين متكاملين ومترابطين، داخلي وخارجي؛ الداخلي: هو الفساد الكبير، وحوامله من خصخصة ورفع دعم وسياسات معادية للحل السياسي وللتغيير، ولعموم المنهوبين، والخارجي: هو العقوبات والحصار الغربي، اللذان يشتدّان يوماً وراء آخر، مطبقَين على أعناق عامة الناس، ومقدمَين مزيداً من المخارج لـ «النخبة» بما فيها الاقتصاد الأسود والإجرامي بأشكاله المتنوعة.
وإذا كان ما سبق هو التوصيف العام المعروف، فإنّ ما هو أكثر عمقاً وتأثيراً على ما هو قادم، وعلى العام القادم خاصة، أنّ سنة 2022 قد حملت معها تغيّراً مهماً في الإطار السياسي، وإنْ لم يكتمل ظهور نتائجه بعد. التغيّر المقصود ليس محصوراً بالمستوى الدولي والإقليمي فحسب، عبر اشتعال الصراع بين عالم القطبية الأحادية الأمريكية، وبين عالمٍ جديد قيد التكون، بل وأيضاً على المستوى السوري، وعلى مستوى المشاريع الموضوعة لسورية. وربما تكون كلمة السر في هذا التحول هي توقف عمل اللجنة الدستورية.
إنّ المعنى العميق لتوقف عمل اللجنة الدستورية بشكلها الحالي، هو أنّ مرحلة التعايش القسري بين مشروعين دوليين- إقليميين متناقضين، قد انتهت. وضمناً فإنّ مرحلة تأجيل الحل النهائي- والذي يصب في مصلحة أحد هذين المشروعين، أي الأمريكي الصهيوني- قد انتهت، وبات الصراع والسباق علنياً وقاطعاً وواضحاً.
أحد المشروعين هو اشتقاقٌ من الأحادية القطبية الأمريكية، ومن تبادلها الاستعماري اللامتكافئ، وما تتطلبه من تخريبٍ وتقسيم وتفتيت، وثانيهما هو مشروع العالم الجديد المتعدد القطبية على أساس التبادل المتكافئ، وما يتطلبه من استقرار سياسي وتطور اقتصادي وخاصة في البنى التحتية.
بالملموس السوري؛ فهو التناقض بين المجموعة المصغرة الغربية ومشاريعها المختلفة (ضمناً الخطوة مقابل خطوة، وخط الغاز العربي وغيرها)، وبين مجموعة أستانا ومشروعها في تنفيذ 2254 كاملاً، وبالاستناد إلى تسوية سورية- تركية تكون مدخلاً أساسياً من مداخل التنفيذ، وأداة في كسر العقوبات والحصار، وفي تقليص نفوذ الأمريكي، وصولاً لطرده.
لم يعد سراً أنّ الغرب يتعامل مع 2254 تعامله مع اتفاقية مينسك، أي بوصفه اتفاقية، الغرض منها لا التنفيذ، بل استنزاف الخصوم والتحضير لمعركة كبرى معهم. وكنا قد قلنا ذلك قبل سنواتٍ من اعترافات ميركل الأخيرة. وأما وقد أفصحت من كان يعتبرها البعض رمزاً للاستقلالية الأوروبية عن الأمريكان، فلم يعد من مجالٍ للجدال بأنّ الغرب بأسره لا يريد حلاً في سورية، بل ويريد دمارها الكامل والشامل، ولا يُعوِّلُ على اتفاقٍ معه على الحل سوى أخرق، أو صاحب مصلحةٍ أنانية ضيقة لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري.
مفترق الطرق ما بعد توقف اللجنة الدستورية، يعني فيما يعنيه، أنّ آوان الحل موضوعياً قد جاء؛ فالمشروع الذي يرتكز إلى منع الحل، هو المشروع الغربي الصهيوني، محمولاً على الدمار المتعاظم في سورية، وعلى تهجير أهلها وتعميق التوحش الليبرالي فيها، واستنزاف كل ما هو حي. والمشروع المقابل، يعني البدء بأسرع ما يمكن في إيقاف الانهيار عبر تنفيذ 2254؛ ما يعني أنّ تنفيذ 2254 وصولاً لتغيير جذري شامل لم يعد حاجة سورية ملحة فحسب، بل وحاجةً لكل القوى الساعية للتحرر من الهيمنة الأمريكية. وليس غريباً إذاً، أنْ يجتهد الأمريكان ومعهم متشددو الأطراف السورية في معاندة وتعقيد ومنع تسوية سورية- تركية.
ورغم المشقة المروعة للمرحلة التي نعيشها كسوريين، إلا أنّ شدة ظلمتها هي ذاتها البشارة بأنّ الفرج بعدها قد بات قريباً، وهو ما يتطلب من المنهوبين تنظيم صفوفهم وتنضيج رؤاهم السياسية والوطنية، استعداداً لموجة أكثر تنظيماً وقوةً من الحراك الشعبي الذي تظهر ملامحه في كل بقاع البلاد. وهو ما يتطلب من القوى الوطنية السورية، التقارب فيما بينها للدفع نحو تنفيذ القرار بالاستعانة بمسار أستانا، وأن يقطع منها من له آمال واهمة بالغرب كل أملٍ في ذلك.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1102