افتتاحية قاسيون 1092: على الدولة التخلي عن الدولار وبسرعة!

افتتاحية قاسيون 1092: على الدولة التخلي عن الدولار وبسرعة!

رغم التحسن الطفيف لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار خلال اليومين الماضيين، إلا أنّ الميل العام ما يزال ثابتاً نحو مزيد من التدهور، طالما استمرت السياسات نفسها، وطالما استمر على وجه الخصوص دور الدولار ضمن الاقتصاد السوري.

كانت افتتاحية قاسيون الماضية «نذر موجة تجريفٍ جديدة»، قد وقفت عند سعر الصرف كواحد من عدة مؤشرات، تحمل بمجملها نذر شؤمٍ عن المرحلة القريبة القادمة بالنسبة لمعيشة الشعب السوري، وبالنسبة لقدرته على البقاء في أرضه.

نعالج هنا جانباً مرتبطاً بالمسألة ارتباطاً عضوياً، هو دور الدولار ضمن الاقتصاد السوري، والذي يمثّل واحداً من أغرب تناقضات الأزمة في سورية، ومن أكثر جوانبها الكاشفة في الوقت نفسه...

فبينما تواصل الدول الغربية بقيادة واشنطن، حصارها الخانق على سورية، وعقوباتها، وعملها الممنهج ضد الحل السياسي، يستمر دولارها في أداء دوره كوحدةٍ للقياس والتبادل في سورية. والأغرب، أنّ ذلك يجري في ظروفٍ عالميةٍ تُسارع ضمنها كلّ الدول الساعية إلى الحفاظ على مواردها- وتحقيق استقلال ولو نسبي عن منظومة النهب الغربية- إلى التخلي عن الدولار بوتائر متعاظمة؛ وذلك عبر جملةٍ من السياسات، بينها رفع مستوى التبادلات بالعملات المحلية، والتخلي عن الاحتياطات الدولارية، وسندات الخزينة الدولارية، لمصلحة الذهب، ولمصلحة سلة عملات متنوعة، إضافة إلى استجلاب المخازين الدولارية لتلك الدول، سواء بشكلها السائل أو بوصفها استثمارات، بشكل متسارعٍ من المركز الغربي باتجاه بلدانها، وباتجاه مطارح الاستثمار في آسيا خاصة، وفي إفريقيا بالدرجة الثانية.

بينما يجري ذلك في العالم كلّه، وتسير فيه دولٌ عديدة خطواتٍ واسعةً، حتى من طراز دول الخليج العربي، التي التصقت بها (عنْ حقٍ في حينه) صفة التبعية المطلقة للأمريكي طوال عقودٍ مضت، حتى هذه الدول تسير نحو رفع درجة استقلالها المالي والاقتصادي، وبالتالي السياسي، عن الدولار وأصحابه، بينما تستمر سياسات السلطات الحكومية في سورية، ومَنْ وراءها من المتنفذين الفعليين، وبالضد تماماً من الشعارات السياسية المرفوعة في معاداة الغرب، تستمر في التمسك بالدولار حاكماً للعملية الاقتصادية السورية!

إذا كان هنالك احتلال أمريكي عسكري لجزءٍ من الأراضي السورية، فإنّ الدولار يحتل سورية كلها اقتصادياً، وابتداءً من بنكها المركزي، ومن يملك الاقتصاد هو من يملك السلطة في نهاية المطاف.

يمكن لهذا الأمر أنْ يفسر إلى حدٍ غير قليل، تطابق سياسات المتشددين من الأطراف السورية من مسألة الحل السياسي، ومن مسألة التوجه شرقاً بالمعنى الاقتصادي، لا قولاً بل فعلاً؛ فمعروف أنّ متشددي المعارضة موجودون في كنف الغرب ويتلقون دعمه، وخاصة الدعم الأمريكي، وهم لا يخجلون من ذلك بل يعلنونه ويطالبون بالمزيد دائماً. متشددو الطرف المقابل، يمارسون السلوك التعطيلي نفسه اتجاه الحل السياسي، وإنْ بوسائل أخرى وبشعارات أخرى، لتبدو الصورة واضحة بالمحصلة بأنّ متشددي الطرفين، وبغض النظر عمّا يعلنونه، مرتبطون اقتصادياً بالمنظومة الغربية الدولارية، ويستندون إليها بالذات لتعطيل حل الأزمة السورية، بل ولتعميقها.

إنّ التحرر من الاستعمار الدولاري، وبالدرجة الأولى تخلي الدولة السورية عن الدولار كوحدة قياس وتبادل، هو مهمة وطنية واجبة الأداء عاجلاً وليس آجلاً، وتحقيقها سيسهم سريعاً في تحسين سعر صرف الليرة السورية. وتحقيقها سيسهل فتح باب الحل السياسي الشامل عبر التنفيذ الكامل للقرار 2254 وصولاً لإعادة توحيد البلاد، واستعادة استقلالها، وإخراج القوى الأجنبية منها. وهاتان المهمتان تتقاطعان بأنّ حاملهما المادي الأساسي، وصاحب المصلحة الحقيقية فيهما، هم المنهوبون الذين يشكلون أكثر من 90% من السوريين، والذين يتجاوزون كل الاصطفافات الثانوية (السياسية والقومية والطائفية والدينية وإلخ) المطروحة على الساحة، ويلتقون في كونهم أصحاب مصلحة واحدة، هي في الوقت نفسه مصلحة الوطن، لأنّ هؤلاء بالذات هم في أول المطاف وآخره، الوطن نفسه، والذين عليهم توحيد جهودهم لفرض إرادتهم السياسية في الحل السياسي، وفي التحرر من استعمار الدولار سواءً بسواء...

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الأحد, 16 تشرين1/أكتوير 2022 22:07