الافتتاحية: «متغيرات ثقيلة»2..!
تسمح التطورات الأخيرة بالحديث عن «متغيرات ثقيلة» كتلك التي عرضتها «قاسيون» في افتتاحيتها الموقعة بتاريخ الثالث من الشهر الجاري، ولكنها هذه المرة تغييرات مرفوعة للتربيع، إذا ما استخدمنا لغة الرياضيات.
إنّ الأسابيع الثلاثة التي تلت عرض تلك المتغيرات في حينه، لم تثبت طابعها وحجمها فحسب، بل وأكدت أن السرعة التي تسير وفقها التطورات أكبر من مختلف التوقعات، بما فيها الأكثر تفاؤلاً:
فعملية فصل الإرهابيين عن غير الإرهابيين، استناداً إلى الموقف من الحل السياسي، واستناداً إلى الممارسة الفعلية، والتي بقيت مستعصية طويلاً بفعل مماطلة واشنطن، قد بدأت تقطع خطوات واسعة نحو الأمام، بفعل الضغط الروسي السياسي على واشنطن، بالتوازي مع تشديد الروس حربهم على الإرهاب بالمعنى العسكري. وترافق ذلك باستكمال الطوق العسكري حول حلب، والذي يشكل أحد تعبيرات استمرار اختلال التوازن الدولي في غير الصالح الأمريكي، وبما يشكل انعكاساً مباشراً لتقلص الدور التركي في سورية، سواء مع بداية استدارتها التي ظهرت مع اعتذار أردوغان، وبعده، ومع محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. كما يترافق ذلك مع استمرار تراجع داعش في العراق..
إنّ ما جرى في تركيا حتى الآن، يثبت حقيقة أن دورها السلبي والمعيق لحل الأزمة السورية، ذاهب إلى تلاشٍ سريع جداً، لا لأن أردوغان يريد ذلك أو لا يريده، أو أنه «عاد إلى صوابه»، بل لأنّ تركيا بوضعها الحالي لم تعد قادرة على ممارسة دور إقليمي جدي، سلباً كان أم إيجاباً، وستكون المهمة الكبرى الراهنة أمام مختلف القوى التركية، لا الحفاظ على دور بلادهم الإقليمي، بل منع تفجرها والعمل للحفاظ على وحدتها الجيوسياسية، ووجودها!
في المسألة ذاتها، وفي قراءة لبعدها الدولي، فإنّ الأزمة التركية إذ تشكل إحدى التعبيرات عن الأزمة الأمريكية نفسها، فإنها تشكل أيضاً إحدى مقدمات تفكك حلف الناتو، علماً بأن تركيا هي ثاني أكبر قوة عسكرية فيه، وهو الأمر الذي لا يخرج عن سياق التراجع العام للمنظومة الغربية، ويتلاقى بذلك مع اتجاه تحللها وتفككها، سواء بمؤسساتها المالية والاقتصادية، صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، التي تخضع بتسارع عالٍ لضغط الصين وحلفائها الذي يتركز على الدولار وهيمنته بشكل خاص، أو بمؤسساتها السياسية- الاقتصادية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن الأحداث الإرهابية المتنقلة في غير مكان في أوربا والعالم لا تخرج هي الأخرى عن السياق العام لمحاولات الفاشية الجديدة، بمركزها الأمريكي، معاقبة كل من يشق عصا الطاعة الأمريكية، أو يفكر بذلك. ولكن هذه المحاولات من شأنها تسريع عملية الخروج عن الطاعة الأمريكية لأنها تضع هذه البلدان أمام خيارات ضيقة، فإما البقاء مع الأمريكي والاحتراق الكامل كرمى لدولاره، أو الخروج من تحت سيطرته، وإن بتكاليف باهظة، تحفظ وجود هذه البلدان في نهاية المطاف.
وفي شأن الحل السياسي السوري، سيشهد يوما 26-27 من الجاري، اجتماعاً ثلاثياً في جنيف، روسياً- أمريكياً- دولياً، يعقب اجتماعات خبراء روس وأمريكيين، لدفع الحل قدماً.. ومن المرجح وفقاً للإشارات الدولية المختلفة، أن يعقب الاجتماع، وضمن أجل غير طويل، انعقاد جولة أخرى من مفاوضات جنيف3، التي ربما تكون نهائية، ليليها بدء تطبيق الحل السياسي على الأرض السورية.