فلاحو الغاب: ارتفاع أسعار المحروقات، هل سيحرق الزراعة؟!! كيف انعكس رفع الدعم على المحاصيل الإستراتيجية؟
الزراعات الإستراتيجية (القطن، القمح، الشوندر السكري، التبغ) أصبحت في خطر شديد بسبب السياسات الليبرالية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي، من رفع الدعم إلى افتعال الأزمات المتتالية التي ستضطر الفلاح إلى ترك العمل بالزراعة الإستراتيجية والانتقال إلى الزراعات البديلة، وهذا ما سيؤدي إلى زيادة ضعف اقتصاد البلد وتهديد أمنه الغذائي، المرتبط عضوياً وبشكل أساسي بالأمن الوطني.
إن الأمر الواقع الذي فرضته علينا الحكومة برفع الدعم عن المازوت سبّب الارتفاع الشديد في مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي كافة، وحمّل الفلاحين عبئاً لا يستطيعون تحمله إذا لم تسارع الحكومة لاتخاذ إجراءات احتياطية وقائية وعلاجية للمنعكسات السلبية لهذا الإجراء.
من أجل الوقوف على هذه الآثار السلبية على الفلاح عن قرب، وعلى لسان الفلاحين أنفسهم، دعا الشيوعيون السوريون في منطقية حماة، إلى ندوة عُقدت في سقيلبية، حضرها عدد كبير من الفلاحين، والمهندسين الزراعيين، والمهتمين بشؤون زراعة القطن والشوندر السكري والقمح، والتبغ وتربية الأسماك، في منطقة الغاب، وقد تكلم الفلاحون عن همومهم ومشاكلهم والمنعكسات السلبية لرفع الدعم عن المازوت حيث أدى إلى رفع تكاليف مستلزمات الإنتاج بشكل مخيف.
• افتتح الندوة الرفيق أبو خلدون بكلمة مختصرة بين فيها ارتباط الأمن الوطني بالأمن الغذائي والإنتاج الزراعي الاستراتيجي، وأن هذا الأخير مهدد بسبب السياسات الليبرالية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي، والتي تؤدي إلى تدمير البنى التحتية للإنتاج الزراعي بشكل عام والاستراتيجي بشكل خاص. وبعد ذلك تحدث الفلاحون عن همومهم وأعبائهم.
يجب أن تتحرك أسعار المحاصيل بما يعادل ارتفاع التكلفة
• فيليب سليمان تساءل عن الدور الوقائي للجمعيات الفلاحية، وقال: «المستلزمات من بذار وسماد ومبيدات غير كافية حتماً عن طريق الدولة، فنلجأ إلى الشراء بالسعر الحر في السوق السوداء، حيث الأسعار ثلاثة أو أربعة أضعاف. فبذار الشوندر من 550 ل.س يصل إلى 1700 ل. س للكيلوغرام، وإعادة زراعة دون تعويض. أليست هذه كلفاً كبيرة؟ يجب أن تتحرك أسعار المحاصيل بما يعادل الارتفاعات بالنسبة نفسها. ولا يوجد مزارع مؤمن من كل المستلزمات الضرورية للزراعة، فإذا حسب على أساس السياسات السعرية والأسعار الحرة سيخرج خاسراً».
• الرفيق مصطفى ابراهيم قال: «عندما زادت كلفة الإنتاج، وخصوصاً بعد ارتفاع سعر المازوت، أكد كثير من الفلاحين الذين يروون زراعاتهم على الآبار الارتوازية، أنهم لن يزرعوا المحاصيل المكلفة، وسيتحولون إلى المحاصيل الأسهل هرباً من تكلفة المازوت، الذي قالوا إنه كان يهرَّب بسبب فارق السعر بيننا وبين الدول المجاورة، فهل سعر القمح عندنا يساوي سعر القمح في الدول المجاورة؟ والخطر الأكبر الذي هددنا به محافظ حماة، حيث قال في اجتماع مجلس المحافظين، إن رئيس مجلس الوزراء أكد أنه في العام القادم سيتم تحرير جميع أسعار البذار والسماد، وتصبح بالسعر العالمي، وسنعطي سعراً جديداً للحنطة».
• الفلاح محمد يوسف محافظة إدلب، قال: «نحن مرخصون في الغاب من مزرعة الثورة، نعاني من قلة المواد بالنسبة للسماد والبذار، والمصروف عندنا كبير، وخاصة بعد غلاء سعر المازوت، كان دونم الفلاحة بـ 100 ل.س، الآن بـ 250 ل.س. عندنا رئيس الجمعية الفلاحية استلم من الجمعية 2800 كيس سماد، وزع 1000 كيس للفلاحين، وباع 1800 كيساً للسوق السوداء».
هناك تقصير باستنباط أصناف جديدة ذات انتاجية عالية
• المهندس فيصل عراضي قال: «أنا موظف في البحوث، ولدينا دائرة اسمها (دراسات اقتصادية)، عليها أن تجري تكاليف المحصول، من الزراعة إلى الحصاد، هذه الدائرة ميتة وغير مفعّلة، نتيجة الهيكلية البيروقراطية لهيئة البحوث العلمية الزراعية. أهم شيء لدينا إنتاج البذور، وهناك تقصير باستنباط أصناف جديدة، في آخر السنة يعطون مكافأة للباحثين وأعمالهم، الذي لا يعمل ولا يكد يأخذ مكافآته بالواسطة والمحسوبية مثل الذي يكد ويتعب، وهذا ما يضعف همة العمال النشيطين. بذار الشوندر اشتراه الفلاحون الكيلو بحدود 1400 ل.س بدلاً من 550 ل.س وكان عاطلاً ولم ينبت، جاء الصقيع وأنقذ التجار الحرامية الذين هربوا هذه المادة إلى بلادنا».
• الرفيق نجدت وردة قال: «إن الكثير من رفاقنا وأصدقائنا لديه معلومات قيّمة فعلاً، يجب ألاّ تبقى المشكلة الزراعية وهموم الفلاحين في هذه الندوة فقط، أتمنى من الرفاق أن يرفدوا جريدة «قاسيون» بهذه المعلومات المهمة، لأن الجريدة بحاجة إلى قضايا تتعلق بالزراعة».
• الفلاح هزّاع ريشة قال: أود أن ألفت الانتباه إلى قضية هامة جداً، وهي مراقبة التسويق، السرقات في معمل السكر، القطن ومكتب الحبوب. الآن سيتعرض الفلاح للاستغلال، تراكتور الشوندر كان يرضى بـ1500 ل.س، الآن لن يرضى بأقل من 4000 ل.س فالدولة عليها أن تدعم الفلاح وترسل قاطرات من عندها، وقد كانت تفعل هذا الشيء في البداية، ولكنها توقفت.
• الفلاح نصر الشيخ حسن قال: «نحن الفلاحين نعيش تحت خط الفقر، لأن الفلاح بعد غلاء المازوت صار عاجزاً عن سقاية أرضه، فلاحة الدونم صارت بـ500 ل.س. من الأرض نفسها نقطف المحصول، التراكتور الأول من الشوندر تكون درجة الحلاوة 12، والتراكتور الثاني تنزل إلى 10 بسبب التلاعب ورغبةً بالرشوة».
توقيت رفع سعر المازوت يخدم تنفيذ المخطط الأمريكي
• الرفيق عطية دياب قال: «لماذا جاء ارتفاع سعر المازوت في هذا التوقيت بالذات؟! بالرغم أن الوضع الإقليمي والدولي لا يبشر بالخير، وأمريكا تسعى لتنفيذ مخططها بالمنطقة. إن وزير الاقتصاد جاء على أرضية الشراكة الأوربية، وهذا التوجه يخدم تنفيذ المخطط الأمريكي بالمنطقة. القضية ليست قضية زراعة، هي قضية وطن. لم يستطيعوا السيطرة على القرار الوطني، فلجؤوا للسيطرة على القرار الاقتصادي، من أجل السيطرة وإخضاع المنطقة وبلدنا خاصة في المرحلة اللاحقة. الموضوع أشمل وأعم من الزراعة، الموضوع يتعلق بالوطن، منذ عام 2002 رفعت الدولة شيئاً فشيئاً يدها عن الزراعة، لأن بلدنا زراعي، ويعمل بالزراعة أكثر من 75 % من أهله، فعندما يخربون الزراعة هذا يعني أنهم خربوا كل البلد. كل الأسباب والنتائج مع ارتفاع المازوت هي نتيجة لاقتصاد توجهه ليبرالي، يخدم المخطط الأمريكي بشكل مباشر أو غير مباشر، الفريق الاقتصادي متهم من الناس كافة بأنه عميل لأمريكا، وقاعدة داخلية لغزوها لنا».
•وقدّم المهندس الزراعي دياب موسى من مركز بحوث الغاب، مداخلة شرح فيها الفساد المنتشر في المركز، فقال:
1ـ دائرة الوقاية في مركز بحوث الغاب مغيبة تماماً، حيث أن كوادرها لا يداومون، وهم أربعة مهندسين ودكتور، ومن المستحيل أن تجد الكادر العلمي على رأس عمله.
2ـ أعتقد أن أصناف الشوندر العالية الحلاوة غير موجودة. والأصناف المزروعة لدى الفلاحين متدنية الحلاوة، بسبب التلاعب والتحريف في درجات الحلاوة في مخبر المركز. وأعتقد أن لجنة البذار تتقاضى عمولة من الشركات الأجنبية المنتجة للبذار، ولا توجد رقابة فعالة، وقد نشرت جريدة تشرين أواخر عام 2003، صفحة كاملة عن تحريف هذه الحلاوة، وحتى الآن لم يحرك أحدٌ ساكناً، ولم يتم أي تحقيق من الجهات المختصة.
3ـ تعاني بحوث القطن من تراجع حاد في جدية البحث العلمي، بعد انضمامها إلى هيئة البحوث العلمية الزراعية، بسبب تقييدها بنظام الهيئة البيروقراطي. وذلك بعد أن كانت في ذروة نشاطها البحثي في إطار مكتب بحوث القطن، من حيث استنباط الأصناف الجديدة من القطن التي تحافظ على سوية عالية من الإنتاجية. وبالتالي ظهر في السنوات الأخيرة تراجع حاد في إنتاج محصول القطن، بسبب ظهور بذار خليط وغير نقي، وعدم ظهور أصناف متطورة احتياطية عند تراجع أداء الأصناف.
4ـ ملاحظة هامة أقدمها للإخوة الفلاحين في منطقة الغاب، هي أن المنّ يجب ألا يكافح، ويترك للأعداء الحيوية المعروفة. لأن مكافحة المنّ تقضي على أعدائه الحيويين الطبيعيين أيضاً، والمنّ يعود للتكاثر بسرعة، بينما أعداؤه بطيئة التكاثر».
• وكانت رابطة فلاحي الغاب قد وجهت كتاباً إلى اتحاد فلاحي حماة، شرحت فيه الأعباء الجديدة التي سوف تقع على كاهل الفلاح بسبب قرار رفع الدعم عن المازوت، جاء فيه:
«إلى اتحاد فلاحي حماة، تحية نقابية: يرجى أخذ العلم بواقع المنعكسات السلبية التي ستقع على الفلاحين نتيجة ارتفاع سعر مادة المازوت ومنها:
1ـ يحتاج الفلاح مالك بئر ارتوازي لسقاية خمسة دونمات برميل مازوت لسقاية واحدة حيث أصبح الفارق بين السعر السابق والحالي لبرميل المازوت /3600/ ل.س.
2ـ يحتاج مزارع الدخان إلى كمية /6000/ ليتر مازوت سنوياُ للفرن الواحد فأصبح فارق السعر الذي ستحمله الفلاح هو /108000/ ل.س مائة وثمانية ألاف ليرة.
3ـ أما بالنسبة لمزارع الأسماك فمن يملك مساحة /10/ دونمات يحتاج يومياً إلى /200/ ليتر مازوت للبئر الواحد فيكون بذلك قد ترتب عليه زيادة مبلغ /3600/ ل.س يومياً وكون الأسماك تحتاج إلى تربية مدة /7/ سبعة أشهر فيكون العبء الذي سيتحمله المزارع زيادة عن السعر السابق هو/756000/ ل.س سبعمائة وستة وخمسون ألف ليرة سورية.
4ـ أما بالنسبة لمحركات الضخ الصغيرة فتحتاج إلى كمية /20/ عشرين ليتر يومياً، ويكون فارق السعر اليومي الذي سيتحمله الفلاح هو /360/ ل.س.
5ـ هذا بالإضافة إلى ما سيتحمله الفلاح من إضافة بزيادة الأسعار على عمليات الفلاحة والنقل والحصاد، وكل ما يتعلق بالعملية الزراعية التي تدخل بها الآلة واليد العاملة، حيث أن الزيادة التي حصلت على المحاصيل الزراعية الأخيرة لم تعد مجدية للفلاح وبذلك سيقع الفلاح بخسارة نتيجة عمله الزراعي..... يرجى الاطلاع.
يجب أن يكون سعر القطن 62 ل.س بدلاً من 36 وسعر الشوندر السكري 6.4 ل.س بدلاً من 3.5 والتبغ 152ل.س بدلاً من 113.
• وقدّم الفلاح الياس أبو حامضة، والمهندس رستم رستم، والمزارع أيمن عبد المسيح، دراسات إحصائية حول أجور وتكلفة محصول دونم واحد من القطن والشوندر السكري والتبغ، على الشكل التالي:
فإذا علمنا أن متوسط الحيازة للفلاح تبلغ 25 دونماً، وهذه المساحة تنتج في الموسم الكامل:
25×350=8750 كغ من القطن، بتكلفة 420250 ل.س.
أو 25×3=75 طناً من الشوندر السكري، بتكلفة 373750 ل.س.
أو 25×350=8750 كغ من التبغ، بتكلفة 1033000 ل.س.
ولكي يضمن الفلاح القدرة على إعادة إنتاج هذا الموسم مع الحفاظ على هامش الربح البالغ 29 % من تكاليف الإنتاج، كما في السابق، فيجب أن يكون ثمن المحاصيل كما يلي، وعلى أساسه بجب تسعير الكيلوغرام من كل صنف:
420250+121872.5=542122.5÷8750= 61.95 ل.س لكيلوغرام القطن.
373750+108387.5=482137.5÷75000= 6.43 ل.س لكيلوغرام الشوندر السكري.
1033000+299570=1332570÷8750= 152.29 ل.س لكيلوغرام التبغ.
وكانت الجهات الحكومية قد اتخذت قراراً برفع أسعار المحاصيل الزراعية لهذا الموسم نسبةً إلى الموسم الماضي، حيث حددت كغ القطن بـ36 ل.س بدلاً من 30. والشوندر السكري بـ3.5 ل.س بدلاً من 3.4 ل.س. والتبغ بـ113 ل.س. ولكننا نرى هنا أن الأسعار الجديدة المقترحة، غير مجزية، وغير مجدية، ولا تساعد الفلاح على إعادة إنتاج مواسمه في المستقبل.