ديمة النجار
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
الحراك الشعبي شبح يطوف العالم، يقض مضاجع الطبقات البرجوازية هنا وهناك، وهنا في بلدان الأطراف (نسبة لدول المركز الرأسمالي) ابتليت الشعوب بحكام وأنظمة مهزومة، منذ أول أيام ظفرها بالحكم، تعاملت بمنطق الانحناء لكل رياح قوية تهب من الخارج، وكلما ازداد منسوب التبعية ازداد مستوى الإفقار وبالتالي القمع فيها، وازداد مستوى الاستياء الشعبي وبوادر الحراك الشعبي!
يودع الشعب السوري غير آسف حكومته الراحلة، الحكومة التي آذته بالغ الأذى وامتهنت كرامته وأدخلت الأسى في تفاصيل حياته اليومية، واليوم يسيطر عليه توجس كبير من القادم، وخوف مضطرد من تكرار لعبة (الكشاتبين) المعتادة التي يتم فيها استبدال الوجوه دون السياسات، ويبقى السؤال المعلّق: ما الذي يضمن للشعب حكومة أفضل وأداء مختلفاً؟ ومن الذي سيحاسب الحكومة السابقة؟
لم تستطع المعركة الإعلامية الهزلية التي خاضها وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف أن تمنع «العلوج» الأمريكان من غزو العراق وتفتيته، فالمعركة الإعلامية عامل مساعد وهام، لكن من المستحيل أن تكون عاملاً حاسماً في صراع ما، والعدو يعرف ذلك جيداً، ويسره لذلك أن تعطى «الحرب الإعلامية» وزناً زائداً.
صار الحل السياسي في الآونة الأخيرة كلمة تطعم بها بعض القوى السياسية خطابها، تفادياً لتحمل المسؤولية التاريخية باستدعاء الاحتلال بشكله الجديد،، ورفعاً للعتب الشعبي الذي يتمنى في العمق أن يحدث تغيير ديمقراطي عبر حل سلمي بعيداً عن إراقة الدماء، وإنهاك الشعب والجيش، وإضعاف الاقتصاد الوطني، فالشعب عملياً لا يهوى لا التدخل العسكري ولا الحل الأمني.
من هي العصابات التي كانت تطلق الرصاص على المظاهرات السلمية؟ ومن يطلق النار والعبارات الطائفية من قلب مظاهرة تهتف (سلمية..سلمية)، و(واحد واحد.. الشعب السوري واحد)؟
انطلقت الحركة الشعبية منذ عام وأشهر سبعة بمطالب محقة، سياسية تارة واقتصادية - اجتماعية تارة أخرى، فكان لانطلاقتها أثر الصدمة على بعض النخب المثقفة والمشتغلين بالسياسة من أبراجهم العاجية، أولئك الذين لطالما شعروا أن الشعب «متخلف» لأنه لا يهضم مصطلحاتهم الكبيرة.
المواطن العادي السوري، من يسمعه؟! كيف يصل صوته وصوت السلاح يعلو على كل شي! وبالطبع صوت المال أيضاً!
من أشد المعضلات التي يواجهها الحراك الشعبي الذي انطلق على أساس من آلامه الاقتصادية والاجتماعية وتدني مستوى الحريات، هو هذا الزواج الكاثوليكي بين الدولة والنظام، فأثناء التسديد على النظام تصاب الدولة، إن الأنظمة تذهب وتأتي إلا أن الزمن اللازم للتغيير التدريجي الديمقراطي السلمي يلزمه وقت أقل بكثير من ذاك الذي يلزم لإسقاط النظام المتشابك مع الدولة ثم إعادة إعمارها من جديد، في حال بقيت هذه الإمكانية متاحة.
(الأرض متعبة، لم تعد طيبة كالسابق) تتردد هذه المقولة على ألسنة المزارعين لدى زيارة الخبراء لحقولهم، متذمرين من تراجع إنتاجية الأرض بين اليوم والأمس. إجابة تحمل الكثير من العمق، وسواء أكانت مصادفة أم عن وعي منهم، فقد أصابوا كبد الحقيقة..فما الذي أتعب الأرض
يتوقف النقاش حول ما تثبته الحياة، وكثيرة هي الأمور التي بات لا بد من توقف النقاش حولها في الشأن السوري، فعندما يتعلق الأمر بالنشاط السياسي لشعب ما، يصبح ثمن كل تجربة دم الآلاف، ويصبح من الضروري حقناً للدماء أو ترشيداً لها أن نستفيد من تجارب الآخرين، أو على أقل تقدير أن نستفيد من تجاربنا في الأزمة السورية ذاتها، ومناقشة المعيقات التي تحول دون تحول الحراك الشعبي إلى فعل ثوري تقدمي، وكل القوى التي تمنع هذا التطور الطبيعي الذي يُفترض أن يرتكز إلى ( تجربة -استنتاج نظري- تجربة جديدة)، ومن يدفع الشعب لتكرار نفس التجربة مراراً وتكراراً هو مسؤول أيضاً عن إهراق الدم السوري دونما طائل.