الشعب يريد محاسبة الحكومة..
يودع الشعب السوري غير آسف حكومته الراحلة، الحكومة التي آذته بالغ الأذى وامتهنت كرامته وأدخلت الأسى في تفاصيل حياته اليومية، واليوم يسيطر عليه توجس كبير من القادم، وخوف مضطرد من تكرار لعبة (الكشاتبين) المعتادة التي يتم فيها استبدال الوجوه دون السياسات، ويبقى السؤال المعلّق: ما الذي يضمن للشعب حكومة أفضل وأداء مختلفاً؟ ومن الذي سيحاسب الحكومة السابقة؟
مجلس الشعب؟
«دستورياً»، مجلس الشعب هو المخول بمناقشة سياسة الوزارة، كما يناط به مهمة محاسبة الوزراء وحجب الثقة عنهم، ثم إحالتهم إلى السلطة القضائية إن استدعى الأمر. عملياً فإن انجاز مجلس الشعب لمهامه يفترض درجة عالية من الاستقلالية عن السلطة التنفيذية، كما يفترض إلى جانب ذلك قانون انتخاب عصري يوصل ممثلي أصحاب المصلحة الحقيقية بالمحاسبة وتقويم الأخطاء إلى سدة البرلمان، قانون يعتمد البلاد دائرة انتخابية واحدة يتم الانتخاب فيها على أساس البرامج الانتخابية وليس على أساس الصور والابتسامات الواثقة التي تملأ شوارع سورية أثناء «الكرنفالات الانتخابية» التي تطلب من الناس التصفيق للوجوه الباسمة ولقدرة تلك الوجوه الهائلة على تكثيف برامجها السياسية بجملة واحدة أو نحوها.. وببضعة خيمات انتخابية تقدم الشاي والأراكيل وأحياناً كثيرة تعطي النقود السخية ثمناً لأصوات الناس..
في السنوات السابقة لم يقم الـ50% من أعضاء المجلس التي يفترض قانون الانتخابات أنهم ممثلو العمال والفلاحين بمحاسبة أي من الحكومات السابقة على أدائها، كما لابد من التساؤل عمن يمثل هؤلاء الذين مرروا باستمرار العديد من القوانين التي أضرت بمن يفترض بهم تمثيله.
السلطة القضائية؟
أما السلطة القضائية التي تتولى الشق الآخر من عملية المحاسبة، فهي الأخرى تعاني من الأيدي الخفية التي تعبث بها سواء من قوى المال أو السلطة، فحتى المحكمة الدستورية العليا والتي تمثل رأس الهرم في السلطة القضائية فإن أعضاءها يتم تعيينهم بمرسوم جمهوري، أي أنها تابعة مباشرة للسلطة التنفيذية، وكونها معينة تعييناً وغير منتخبة تفقد أي استقلالية مفترضة تمكنها من محاسبة السلطة التنفيذية ومساءلتها.
لجان مكافحة الفساد؟
ما شهدناه حتى الآن أن اللجان المعنية بمكافحة الفساد لم تحقق أية خطوة حقيقية في هذا الاتجاه، بل ومن الممكن القول إنها عطلت إمكانية الحل الحقيقي ذلك أنها وبتنطحها الزائف لمحاربة الفساد قطعت الطريق مؤقتاً على القوى الحقيقية المعنية بذلك والمتضررة فعلياً منه، ولا يمكن اليوم التعويل على مزيد من الأشكال البيروقراطية لحل مشكلة الفساد، فالوقت أضيق مما يظن البعض، فهذه الأشكال بمجموعها ليست سوى معالجات سطحية تحاول تجميل الصورة وتقديم ما يسمى البنية المؤسساتية على أنها الحل، ولكن الثابت أن المؤسسات جميعها ومهما كانت «ممأسسة» فإن جوهرها يتعلق مباشرة بالجواب على السؤال: لمصلحة من تعمل؟
مفهوم المحاسبة..
في نهاية المطاف للمحاسبة المطلوبة شعبياً معنى عميق، يتجلى في جوهرها الطبقي، فهي من جهة تهدف إلى إيقاف نزيف الثروة الوطنية إلى جيوب الفاسدين، ومن جهة أخرى هي معنية بإعادة تقييم القوانين والسياسات الحكومية ومدى تلبيتها لاحتياجات الشعب بهدف تطويرها لصالح المجتمع، الأمر الذي لن تتصدى له سوى قوى المجتمع الحية الشريفة من أحزاب ونقابات وجمعيات. ولكي تستطيع هذه القوى أن تمارس دورها الرقابي لابد من إطلاق حرياتها السياسية، حرياتها هي بالذات، التي تتناقض مع حريات القوى التي لم تتوقف لحظة عن مخالفة الدستور بمضيها بسياساتها الليبرالية، وخصخصة أموال الشعب.