المأجورون .. أدوات الفوضى
من هي العصابات التي كانت تطلق الرصاص على المظاهرات السلمية؟ ومن يطلق النار والعبارات الطائفية من قلب مظاهرة تهتف (سلمية..سلمية)، و(واحد واحد.. الشعب السوري واحد)؟
بين طيات الأسئلة يتربع جواب ما، لكنه يبقى مرتبكاً، وفي إطار ردود الأفعال قد يوجه المتأذي إصبع الاتهام إلى المجرم الصغير المأجور غاضاً الطرف عن ربيبه وولي نعمته.
المأجورون..من هم؟ ومن يستثمرهم؟
المأجورون أو المرتزقة هم فئة من الناس تجد تربتها الخصبة لدى فئات المهمشين اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، ويمكن استئجارهم للقيام بأي عمل مهما كان بعيداً عن الشرف أو غير وطني، وذلك نيابة عن قوى الفساد الكبرى في الداخل التي نهبت كثيراً ولا تزال، أو مثيلتها تلك التي تسن أسنانها لتنهب البلاد لاحقاً عندما تحل محل الأولى وتنام اليوم في أحضان الغرب.
إن السياسات الليبرالية التي اتبعت في سورية في السنوات الماضية، وما نتج عنها من سوء توزيع للثروة وضعف بالاستثمار وضرب الزراعة وتراجع تدريجي عن التعليم المجاني وازدياد البطالة، لم تكن مجرد نقاش في مسائل إيديولوجية تعني المختصين في الاقتصاد والسياسة، بل كانت تفعل فعلها كل يوم في خلق فئات واسعة من العاطلين عن العمل، وفي تهجير المزارعين من أراضيهم التي صارت خيراتها لا تغني عن جوع، فالتفوا حول مدن لا تكاد فرص العمل فيها تكفي سكانها، فاتسعت العشوائيات التي كثيراً ما تخلو من أدنى تجهيزات العيش الكريم، مشكلة حزاماً ناسفا حول المدن، تلك الفئات المهمشة التي يقع الكثير من أفرادها في شرك المخدرات والجريمة والدعارة أو يقومون بالتسول والسطو والسرقة.
هذا النوع من الجمهور الذي خلقته قوى الليبرالية وتستفيد منه قوى الفساد، هؤلاء الذين تتغلب عليهم ظروفهم الصعبة كل يوم، والذين يجمعهم بـ(معلمهم) أنه يريد المكاسب لنفسه على حساب أي شيء وأي كان، هذه هي شريحة المأجورين التي وصفها ماركس بأنها (تشكل الزبد والسقط والقمامة من جميع الطبقات، والتي يمكن الاستناد إليها دون قيد أو شرط).
كما أن المريب في هذه الفئة أن تهميشها اقتصاديا ينعكس تذبذباً في مواقفها السياسية، إذ أن بنيتها الفكرية الهشة تنوس مع مصالحها الآنية الضيقة، فتصطف مع القوى المعادية لمصالحها الطبقية مسببة بالغ الأذى لقوى التغيير الحقيقية في المجتمع، إذ تشعر تلك الفئات التي لا مأوى لها ولا ضمان اجتماعياً أو معاشياً يحميها، بأن لا أمان لها إلا بالاستزلام لأشخاص ذوي نفوذ، فيمارسون البلطجة ضد المجتمع باسمهم، معوضين بعضا من الإذلال الذي يتذوقوه على يدهم، أو قد تجتذبهم تيارات ظلامية تمني النفوس بالحور العين مكافأة على الجهاد ضد من يفتي أي مفت بضلاله، دون أن يدركوا ما يضمر مفتيهم من نوايا ومآرب.
إن هذه الفئة تشكل نقطة ضعف في منظومة الأمن الاجتماعي التي يمكن النفاذ منها، والتي تشكل عادة هدفاً للمخططات الأمريكية- الصهيونية للدخول منها وتوسيعها للوصول إلى انهيار كامل، تمهد فيه هذه الفئة إلى استدعاء المزيد من الدماء عبر تسلقها على الحراك الشعبي والركض إلى وسائل الإعلام طالبة الحماية الدولية مدعية أنها تمثل الشعب السوري، كما تقوم من جهة أخرى بالتجييش طائفيا، مهيئة البلاد للمضي إلى مذابح يبدؤها مأجورون، ويكملها طالبو الثأر، مسببة شرخاً عميقاً في وعي الشعب، وتهدد عملية التغيير الاجتماعي الحقيقية التقدمية التي تكنس قوى الفساد، مسببة تأريضها، وحرف مسارها نحو تغيير رجعي مقيت.