وريثو النازية يحاولون الانتقام من الاتحاد السوفييتي!

وريثو النازية يحاولون الانتقام من الاتحاد السوفييتي!

صوّت أعضاء الاتحاد الأوروبي يوم الخميس 19 أيلول الجاري، على قرار بعنوان «أهمية الوعي التاريخي الأوروبي من أجل مستقبل أوروبا». يزعم هذا القرار القيام بمراجعة تاريخية للمسؤولية عن الحرب العالمية الثانية، ويحفل بالأكاذيب التي تفضي إلى تحميل مسؤولية اندلاع الحرب بالتساوي لكل من الاتحاد السوفيتي والنازيين!

في خطوة لمحاولة تشويه وعي الأجيال القادمة، يوصي القرار أيضاً بأخذ هذه الادعاءات بعين الاعتبار في المناهج المدرسية وخطط التدريس (فقرة M8). كما يدعو القرار إلى حظر الرموز الشيوعية وجميع النصب التذكارية في الحدائق والمناطق العامة التي تحتفي بتحرير أوروبا من النازية من قبل الجيش الأحمر (فقرة M18).
في هذا السياق، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استخدام هذه الخلفية التاريخية المختلقة لزرع الضغينة ضد روسيا حيث يرد في (الفقرة M15) أن روسيا «لا تزال أكبر ضحية للاستبداد الشيوعي، فهي ستبقى دولة غير ديمقراطية طالما استمرت حكومتها والنخب الحاكمة فيها بالبروغندا السياسية، التي لا تكف عن التهاون مع جرائم الشيوعية وتمجيد النظام الشيوعي الشمولي». كما يرى القرار أن تقييم القيادة الروسية الحالية لدور الاتحاد السوفيتي وللنظام الشيوعي «هو جزء من الحرب الإعلامية ضد أوروبا الديمقراطية التي تسعى إلى تفتيت القارة الأوروبية ولذلك عزمت اللجنة على مكافحة هذه الجهود»...

التروتسكيون يصوتون مع القرار

صوّتت على القرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية، والليبرالية والليبرالية المحافظة. والجدير بالذكر، وإن لم يعد مستغرباً، أن القرار حظي أيضاً بتصويت حزب الخضر والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية (مثل SPD في ألمانيا المحسوب على اليسار)، وغيرها من الأحزاب المنتمية سابقاً إلى «الأممية الرابعة» وإلى نسخها اللاحقة، أي إلى التروتسكيين ومن يدور بفلكهم، مما يؤكد من جديد على ضرورة الخروج نهائياً من التصديق الأعمى لكل من يرفع يافطة اليسار؛ حيث تحولت هذه اليافطة في عدد غير قليل من الحالات في أوروبا وفي غير أوروبا، إلى احتياطٍ للقوى اليمينية، يجري الاعتماد عليها بشكل متزايد في ظل الأزمة الرأسمالية العميقة الشاملة للعالم بأسره، والتي بدأت نُذُرُها تزداد وضوحاً في أوروبا. وعلى رأس هذه القوى المتلطية تحت الشعارات اليسارية تأتي التيارات والقوى التروتسكية التي تحاول الإطلال برأسها مجدداً علّها تبعد الجيل الشاب بشكل خاص عن التراث الثوري الحقيقي.

الشيوعيون حاضرون

رفضت عدة أحزاب شيوعية في أوروبا هذا القرار؛ ففي بيان للحزب الشيوعي الألماني DKP تحت عنوان «ضد الاتحاد الأوروبي المعادي للشيوعية» تم انتقاد تشويه التاريخ المصاحب لمزيد من القمع السياسي والعدوانية على الصعيد العالمي، وأكد البيان أن «الاتحاد الأوروبي بقيادة الإمبرياليين الألمان، جنباً إلى جنب مع الإمبريالية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، يسعون إلى تطويق روسيا بشكل متزايد. وإن مثل هذا التصريح ما هو إلا جزء من المعزوفة الإيديولوجية المرافقة لهذا العدوان. وبالتالي، فهو موجه ضد جميع القوى المناضلة من أجل السلام وصداقة الشعوب». وثمّن الحزب الشيوعي الألماني فضل الجيش الأحمر بالقضاء على النازية بالقول «نحن الشيوعيات والشيوعيين نقول. شكراً لك، أيها الجندي السوفيتي، شكراً لك على التحرير من الفاشية والحرب! ونقول: سلام مع روسيا!». كذلك أكد الحزب الشيوعي اليوناني على أن مثل هذه القرارات تسعى إلى كتابة التاريخ بطريقة غير علمية أو تاريخية، وهي «تمهد الطريق لعصابات الفاشية والقوى اليمينية المتطرفة التي تتطور في أوروبا، لتبييض صفحة النازية وجرائمها البشعة» كما وضّح بأن الغرض منه هو «قوننة منع الأحزاب الشيوعية والرموز الشيوعية المملى على عدد من دول الاتحاد الأوروبي كدول البلطيق والدول المسماةVisegard group (التشيك، هنغاريا، بولندا وسلوفاكيا) وتعميم تجريم الشيوعية والاضطهاد ضد الإيديولوجية الشيوعية ونضال الشعوب التي قاومت البربرية جنباً إلى جنب مع الشيوعيين».

من «خصخصة النصر» إلى سرقته...

لم تصدر ردود أفعال دولية مباشرة على القرار، إلا أن وزير الخارجية سيرغي لافروف نوه في مقال له في مجلة «روسيا في الشؤون العالمية» تحت عنوان «العالم على مفترق طرق ونظام علاقات دولي للمستقبل» (يمكن الرجوع إلى الترجمة الكاملة للمقال على موقع قاسيون الإلكتروني)؛ حيث قال: «من المؤسف أن هذه الحقائق الواضحة يتم إسكاتها أو تجاهلها عمداً من جانب بعض القوى المؤثرة في الغرب (في إشارة إلى حقائق الحرب العالمية الثانية). وعلاوة على ذلك، كثف البعض من محاولاته لخصخصة النصر، ولشطب دور الاتحاد السوفييتي في هزيمة النازية من الذاكرة، نافياً إلى غياهب النسيان الإنجاز الفذ للجيش الأحمر في التضحية والتحرير، متناسياً الملايين العديدة من المواطنين السوفييت الذين قضوا نحبهم خلال الحرب، ماحياً من التاريخ عواقب سياسة الاسترضاء المدمِّرة. من هذا المنظور، من السهل فهم جوهر فكرة المساواة بين الأنظمة الشمولية. إذ إنّ هدفها ليس فقط التقليل من شأن المساهمة السوفيتية في النصر، ولكن أيضاً تجريد بلادنا من دورها التاريخي، بأثرٍ رجعي، كمهندسٍ وضامن للنظام العالمي لما بعد الحرب، ووصمها بأنها «قوة تحريفية» تشكل تهديداً لسلامة ما يسمى العالم الحر».
ويبدو أنّ ما ذهب إليه الاتحاد الأوروبي، أبعد حتى مما أشار إليه الوزير الروسي؛ حيث جرى الانتقال تدريجياً من محاولة مساواة النضال السوفييتي الذي كان المسؤول الأول والأهم عن القضاء على النازية بنشاط بقية الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة التي لم تدخل الحرب إلا بعد أكثر من 3 أعوام من بدايتها، وفقط حين اتضحت نتيجتها... جرى الانتقال تدريجياً من المساواة بين النضالين اللذين لا تساوي بينهما من قريب ولا من بعيد، إلى ادعاء الفضل الأكبر لواشنطن، ومن ثم وصولاً إلى هذا القرار الذي بات معه الاتحاد السوفييتي «مساوياً» للنازية نفسها!

الشيوعية أيضاً حاضرة، وعائدة بقوة!

ليس هذا القرار إلا واحداً من مفردات الحرب المعلنة والمستترة ضد القطب الجديد الناشئ عالمياً، والذي يدرك الإمبرياليون أن أحد أهم عناصر قوته (وخطورته) هو الطريق الموضوعي الذي يشقه، بإرادته أو دونها، لإحياء الإرث التاريخي لكل التجربة الاشتراكية والشيوعية العالمية. وإنّ هذا القرار في جوهره ليس إلا محاولة من نازيين جدد يتلطون تحت شعارات شتى، الانتقام من الاتحاد السوفييتي (ومن التجربة الاشتراكية على العموم)، والتي يرون بأفضل مما يرى أي أحد آخر، أنّها تطرق من جديد باب التاريخ، وبقوة لا سابق لها...
إنّ ما كتبه الجيش الأحمر في ذاكرة الشعوب بدماء ما يزيد عن 25 مليون شهيد، لا يمحوه حبر على ورق. كتب ماركس وأنجلز في البيان الشيوعي 1893 «هناك شبح يجول في أوروبا»، واليوم يتزايد رعب الإمبريالية من نشوء قوى شيوعية جدّية تجول الأرض قاطبة، لاسيما مع اشتداد أزمة الرأسمالية، وانفجارها الوشيك، والذي بات الحديث اليومي لخبرائها واقتصاديّيها، ناهيك عمّا يقوله الشيوعيون في هذا الإطار...

معلومات إضافية

العدد رقم:
933
آخر تعديل على الإثنين, 30 أيلول/سبتمبر 2019 14:58