من يريد الحل السياسي حقاً؟
صار الحل السياسي في الآونة الأخيرة كلمة تطعم بها بعض القوى السياسية خطابها، تفادياً لتحمل المسؤولية التاريخية باستدعاء الاحتلال بشكله الجديد،، ورفعاً للعتب الشعبي الذي يتمنى في العمق أن يحدث تغيير ديمقراطي عبر حل سلمي بعيداً عن إراقة الدماء، وإنهاك الشعب والجيش، وإضعاف الاقتصاد الوطني، فالشعب عملياً لا يهوى لا التدخل العسكري ولا الحل الأمني.
وفي هذا الإطار يمكن للمرء أن يطرح عدداً من التساؤلات، أولها التفكير موضوعياً بما قد يتمخض عنه الحل السياسي على المدى القريب؟ ثانيها إن كان بالإمكان حقاً أن نصدق أن هذه القوة أو تلك تسعى فعلاً لإنجاح الحل السياسي؟ آخذين بعين الاعتبار وجود نظام متجذر بآلية تفكيره وأجهزته الأمنية وسيطرته على مؤسسات الدولة، وفي الجانب الآخر معارضة على شاكلة المجلس اللاوطني مرتبطة بالخارج تُرسم لها خطواتها،ويغطي هاتين القوتين إعلام يعمل على شد خيط المزاج الشعبي كل باتجاه سحق الآخر ونبذ الحوار. في حين يبقى الشعب الذي لا ينتمي إلى هذا أو ذاك ويدرك التحايل الذي يمارس لسلبه حقوقه في الحياة الحرة حقاً، والكريمة حقأً خارج الحسابات.
ضمن هذي اللوحة لا يمكن أن نصدق أن يكون المجلس اللاوطني يريد الحل السياسي وهو يشترط على النظام الذي يصفه بكل موبقات الدنيا أن يتنحى كشرط مسبق لأية عملية سياسية من حكومة وحدة وطنية إلى انتخابات مجلس شعب، كما لا يمكن الثقة بأن النظام يسعى فعلاً للحل السياسي قبل المضي باتجاه المصالحة الوطنية، تمهيداً لحوار جدي ينتج عنه تغييرات حقيقية تأخذ بعين الاعتبار الزخم الكبير للحركة الشعبية ذات الأسباب الموضوعية الداخلية.
يوجد في المعارضة اليوم ثلاثة تلاوين، منها من يقول إنه يريد حلاً سياسياً ويعيقه بالوقت نفسه، ومنها من يقول بحل سياسي ولا يعمل شيئاً ليخطو باتجاه الحل، ومنها من يقول بحل سياسي ويذهب باتجاهه عارفاً أن الصراعات الاجتماعية كالتي تمر بها سورية اليوم تمر بمخاض عسير، وتمر عبر عملية سياسية طويلة تنتج عنها تغييرات تدريجية لكنها مع ذلك أقل تكاليف على الشعب والبلاد من التدخل الخارجي عربياً كان أو دولياً، ففي كل خطوة باتجاه الحل السياسي لن يكون الظفر الكامل لجهة دون غيرها، لذا يتوقع من المضي خطوة خطوة إلى الحل السياسي أن يحدث تغييرا تدريجياً، وبطيئاً في النظام، لكنه الأرسخ والأصح..
في هذا الإطار عملت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير على الدفع في الحل السياسي فذهبت إلى الحوار وخاضت معركة لتثبيت عدة نقاط لمصلحة الحركة الشعبية في البيان الختامي، إلا أن عدم الالتزام بها من القوى المتشددة في النظام عمل على زيادة الجرح في الجسد السوري، ثم دعت الجبهة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة وبرنامج ومدة محددة تنجز خلالها المصالحة الوطنية تمهيداً للحوار الذي يحقق التغيير الوطني الديمقراطي، إلا أن ذلك لم يحصل،وفي كل مرحلة كانت تزيد التكاليف، ويزداد الخطر على البلاد نتيجة تعنت الطرفين المتشددين في النظام والمعارضة واليوم تأتي انتخابات مجلس الشعب، لتكون على الأقل واحدة من الأدوات التي لابد للشعب من استعادتها لتكون منبراً على الأقل تطرح عبرها قضاياه، ولتدعو عبرها قوى المعارضة الوطنية للعمل على بنود المصالحة الوطنية والحوار الجدي والشامل.
تدعي بعض القوى انها تخشى على الحركة الشعبية من التراجع إن حدثت مصالحة، فلا تطالب بالتغيير بعد ذلك ولا تقوم لها قائمة، إلا أن من يفكر بمثل هذهالطريقة لا يعتقد بان سبب الحراك الشعبي هو سبب موضوعي داخلي، اقتصادي اجتماعي وثيق الصلة بالحريات والوطن، ولا يعلم أن ثمة قانونية للموضوع، فطالما ثمة مشاكل لم تحل فإن الحركة الشعبية ستستمر في نضالها لانتزاع ما هو حق لها، إلا أن العمل على توفير المناخ لالتقاط الأنفاس من جميع الشعب بعيداًعن الدم سيسمح للحركة السياسية أن تتطور وللوعي السياسي أن ينمو في جو أقل احتقاناً، وسيسمح بإعادة إنتاج حركة شعبية أشد وأقوى تخلق الظرف لتطوير وضع ثوري في البلاد، إذا لابد من الخروج من الأزمة، وإجراء المصالحة الوطنية لانطلاقة أقوى تحافظ على السلم الأهلي وتسير بقوة نحو التغيير المنشود.