إيمان الذياب
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أشعلت صورة للصحافي في القناة 12 «الإسرائيلية» وضابط الموساد إيتاي أنجل وهو يستمتع بأركيلته في دمشق القديمة مساء يوم السبت 22 شباط الصفحات ووسائل التواصل السورية. صورة أثارت لديهم إضافة إلى شعور مرير بالإهانة، شعوراً آخر ممتلئاً بالغضب والتساؤلات.
لم تكن أحداث ومجريات سقوط السلطة السياسية في سورية، ولا الفترة الزمنية القصيرة جداً التي حدثت بها، بعد سنوات من انفجار الأزمة، السبب الوحيد في تعاظم شعور السوريين بالصدمة، بل ما حدث في الأيام التالية، فقد جعلتهم صدمة ما حدث في سجون الطاغية يقفون أمام الحقيقة المرعبة حول حجم السجن الكبير الذي كانوا يعيشون فيه.
ما يحدث اليوم في العالم أجمع، وليس في سورية وحدها، من حراك ونشاط سياسي عالٍ ضمن متغيرات سياسية متلاحقة لا تصنف كحدث سياسي فقط، بل كحدث إنساني أيضاً ضدّ منظومة الاستغلال برمتها، وضد محاولات الاستبداد ليس ترسيخ وجوده فقط، بل تأبيده. يثير نشاط الناس حنيناً لما يفتقدونه من حرية وعدالة ويستفز رغبتهم بإدارة حياة جديدة.
ليس ترفاً استعادة السوريين في هذه الأيام الحرجة لبعض أغاني زياد الرحباني التي تحكي عن الجوع والذل الكافر.. وحنينهم إلى أشعار مظفر النواب، وخاصة تلك التي تلامس ما يعانونه بشكل يومي من تفاصيل في حياتهم.
تنتج الحروب لغتها وكذلك الأزمات، وغالباً ما تكون لغة تنفي بها الآخر وتجعل منه خصماً. تتحول وظيفة اللغة هنا من كونها أداة بناء وتواصل لتصبح معولاً للهدم والقطيعة.
«سيعرف الناس أن البطل الذي يتفاخر الجميع به هو إنسان عادي، لماذا تريدون أن توهموا الناس أن البطل شيء من طينة غير طينتهم؟ دعوه يظهر كما هو، إنساناً عادياً، أتعرف ماذا سنستفيد؟ يكتشف الناس جميعاً أنهم يستطيعون أن يكونوا أبطالاً...» ممدوح عدوان
هل تجرّأ أحد ممن يدّعون تمثيل الشعب السوري أو يرغبون بذلك، أو حتى أولئك الذين يتدخلون بشؤونه من الخارج، وسأل السوريين ماذا يريدون؟؟ أسئلة كثيرة تطرحها الحياة والواقع الجديد اليوم على السوريين عامة أينما كانوا، في الداخل والخارج، مع طروحات عديدة محفوفة بمحاذير في كثير من الأحيان، وقلق من المستقبل وعليه، قلق يتداخل مع أمل بأفق جديد تكون فيه سورية جديدة لكل السوريين.
تفصح مظاهر الانحدار عن نفسها على شكل حالة من التوتر والارتباك والتخبط وصولاً إلى فقدان السيطرة. في عالم تتغير فيه الظروف والمعطيات بتسارع شديد يعطي استخراج أدوات قديمة فقدت صلاحيتها واستخدامها في معالجة مشاكل الحاضر والمستقبل مفعولاً عكسياً، ويكرس حالة الهبوط والانحدار.
يعبُر شعور غامض النفس رويداً رويداً، مزيج من فرح وبهجة تخفف أعباء الروح المتعبة وأمل بجديد ينسلّ من عتمة الليل إلى الصباح، وترقب مشوب بطيف من الخوف ألّا يتعثر في المرحلة المقبلة. بهذه الروح يحاول السوري التقاط اللحظة وقراءة المشهد وفهم ما يجري والانتقال من الانفعال إلى الفعل، بعد أن جرى إبعاده عن دائرة القرار والفعل لسنوات طوال.
ثمة من يحاول استغلال ردود الفعل الطبيعية للسوريين على سياسات سلطة أمعنت بالتضييق عليهم وسرقت مواردهم وشوهت الكثير من جوانب حياتهم وأذلتهم لعقود طويلة. ثمة من يحاول أن يهدم المفاهيم والبنية الوطنية التي بُنيَت عليها الهوية والذات السورية، متناسياً أن الوعي الوطني للشعوب لا يتشكل بفعل الأنظمة السياسية التي تحكمه بل هو حصيلة لتجاربه المتراكمة تاريخياً.