أليس في بلاد «اللا منطق»
تظهر قصة «أليس في بلاد العجائب» لـ«لويس كارول» عوالم سريالية وغرائبية يتداخل فيها الخيال مع الواقع. قصة خيالية موجهة إلى الأطفال وتحوي «الكثير الكثير من الهراء»، حسب رأي النقاد، من خلال التلاعب بالمنطق وتجسيد الفوضى ببراعة نافست فيها، وتفوقت على كثير من الأعمال الأدبية.
ربما لأنه في هذه القصة بالذات يجري استكشاف ذلك الخط الفاصل بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، أكثر من غيرها من القصص، فبطلة القصة، الطفلة ذات الأعوام العشرة «أليس» تواجه عالماً يتلاعب بقوانين المنطق والواقع، عالم تحكمه أقصى درجات العبثية و«اللا منطق»، وعليها أن تتعامل معه.
عن بلاد يحكمها «اللا منطق»!
في بلاد تعج بالمشاكل التي تحتاج إلى حلول فعالة وحقيقية، البعض منها يتطلب سرعة عالية للحل قبل أن تستفحل، وحيث، ليس ثمة نية واضحة لتقديم مثل هكذا حلول، تحتاج أولاً إلى إرادة سياسية، وثانياً لنهج يستند إلى تقديم مصلحة البلاد والعباد على أي اعتبار آخر، فتُرسم السياسات المطلوبة على هذا الأساس. غالباً ما تكون الحلول المقترحة مشكلة بحد ذاتها، حل مشكلة بمشكلة أكبر منها، فالكهرباء مثلاً، وهي مشكلة هامة وقديمة ومعقدة، يتفق الجميع على ضرورة الإسراع بحلها، ولكن ما جرى اتخاذه من قرارات، لم يفعل شيئاً سوى أن زاد الطين بلة وعمّق المشكلة وعقّدها أكثر. ومثلها الاتصالات، وغيرها من قضايا أخرى عديدة تتبع المنطق نفسه. مما جعل البعض يصف سورية اليوم متندراً بأنها البلاد التي يحكمها «اللا منطق» وتعجز سلطاتها عن حل أية مشكلة مهما كانت بسيطة «كالسير والمواصلات» مثلاً.
في دمشق، لا تسير مشكلة المواصلات، الدائمة والمتجددة، باتجاه حل فعال ينهي حالة الازدحام وأزمة السير المستمرة ومعاناة الناس منها. يحمِّل كثيرون «البسطات» التي تعج بها شوارع دمشق وأصحابها وزر هذه الأزمة، وهو جانب صحيح إلى حد ما، ويتحدث قليلون عن السيارات الفارهة التي ملأت الشوارع في مدينة ما زالت تعاني ضيق شوارعها القديمة وأزقتها، ولم تقدم لها الحكومات المتعاقبة سوى إجراءات سطحية شملت بعض الإصلاحات الجزئية لشارع هنا أو هناك، واستعراضات (مثل دهانات الشوارع وتغيير حجر بعض الأرصفة) بهدف التصوير والعرض الإعلامي!
الفقر والفقراء
يطرح البعض حلولاً للمشكلة «إلغاء البسطات أو ترحيلها» مثلاً، ولكن نظرة سريعة في وجوه أصحابها تظهر حجم بؤس وشقاء هؤلاء، ووصولهم إلى أقصى درجات الفقر في بلاد يعاني فيها الاقتصاد والقطاع الإنتاجي من التدهور، حيث لا زراعة ولا صناعة ولا معامل ولا مشاريع، بل مجرد وعود بالاستثمارات!
تدفع البطالة والفقر بالناس إلى قبول أي عمل مهما كانت شروطه مجحفة، بغية البقاء على قيد الحياة مع أسرهم، وغالبية أصحاب البسطات من هؤلاء، إضافة إلى المهن المشابهة، العتالين و«العتالات» في أسواق الخضرة و«بائعي الخبز والمحارم والعلكة...» الذين يتزايد عددهم في قلب العاصمة، وغير بعيد عن مؤسساتها وقادتها الجدد. وهؤلاء لم يقدموا على هذه الأعمال إلا بعد أن استنفذوا كل ما يمكن من محاولات للحصول على ما يؤمن لهم لقمة العيش.
في المحصلة لا يختار الناس هذا النوع من الأعمال برغبتهم، ولا يقومون به عن ترف، فخيارات الناس يحددها الواقع الذي يعيشونه، وفي عالم اليوم، ليست البطالة، بطالة تامة أو عطالة نهائية، فالعمل على أقل تقدير، يُفترض أن يوفر حياة كريمة لصاحبه، ولا تنتهك فيه كرامة الإنسان، وإلا لا يعتبر عملاً.
بيت القصيد
يمكن أن يُعذر من يقدم حلولاً كهذه عندما يكون من العامة من الناس، وليس بذي اختصاص، ولكنها لا تُغتفر عندما تصدر عن مسؤول وصاحب قرار أو من يتصدى للعمل السياسي وقضايا الشأن العام، فللقضاء على ظاهرة الفقر مثلاً، يُفترض أن تُعالج بمنطق «يقضي على الفقر نفسه وليس على الناس الفقراء»، يتطلب المنطق هنا بحث الظاهرة بكل أبعادها وتاريخها وجذورها والأهم علاقتها بغيرها من الظواهر المترابطة والمتشابكة مع بعضها في محاولة لإيجاد حل فعال وجذري لها. وهنا يكمن بيت القصيد، ففي سورية تترابط المشاكل والقضايا العميقة والمعقدة بمختلف أنواعها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، لدرجة لا يمكن حل أحدها بشكل جزئي ومستقل عن الأخرى، مما يقتضي حلولاً ذكية وعميقة ومتكاملة، ضمن حل شامل وبالجملة لمختلف المسائل، وهو ما يعنيه الحل السياسي.
تختلف أراء النقاد فيما تريد «أليس وبلاد العجائب» أن تقوله، البعض يؤكد أن القصة استكشاف لمفاهيم، كـالهوية، والفضول، والتفكير النقدي... في عالم الطفولة، وآخرون يؤكدون أنها تعكس نقداً للعديد من القواعد الاجتماعية والمؤسسات، مثل السلطة ونظام المحاكم حينها، والتي يرون «أنها كانت بلا معنى، لأنها بلا عدل». بينما يتفق كثيرون على أن «الهراء الأدبي والتلاعب والفوضى واللا منطق في القصة» دفع الطفلة، كما سيدفع القارئ لاحقاً، إلى البحث والتساؤل عن كيفية رؤيتها للعالم، والمنطق الذي يحكمه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1253
ايمان الذياب