ليس ترفاً... بل نقاشاً لا بد منه
ثمة حروب كثيرة تخاض دون مواجهات عسكرية مباشرة، حروب هادئة أو صاخبة وقد تبدو في ظاهرها ثانوية ولكنها أكثر عمقاً في أثرها.
تعيش الساحة الثقافية في سورية حالة من الغليان، قرارات ومواقف وتراجعات وتظاهرات وحديث لا ينتهي عن الحلول المطلوبة كبقية المسائل والمشاكل التي تحتاج إلى حلول ولكنها ما زالت معلقة رغم إجماع السوريين على المطالبة بحلها.
ثمة نقاش عميق يجري في الساحة الثقافية، فمن مسألة إلى أخرى، المكتبات، سينما الكندي، الموديل العاري... إلخ، في كل مرة تجري فيها معالجة المسائل المختلفة بطرق أقل ما يقال عنها أنها استفزازية واعتباطية لا تأخذ أرث السوريين السياسي والثقافي والاجتماعي وإنجازاتهم السابقة وتاريخهم ولا رأيهم بعين الاعتبار، يطرح البعض الكثير من الأسئلة المحقة: لماذا يجري التضييق على المثقفين والفنانين رغم أن هؤلاء بالذات يمكن لهم تقديم رؤى وأفكار متوازنة وأكثر عقلانية في مشروع بناء سورية الجديدة الذي تأمل به السوريون خيراً بعد السقوط، بينما يفتح المجال واسعاً دون حسيب ورقيب لخطاب الكراهية وبث الأحقاد والتجييش والتحشيد على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام.
المكان بوصفه رمزاً
ولماذا تهاجم الرموز الثقافية أو المرتبطة بالثقافة، مثل سينما الكندي التي تعتبر كمكان جزءاً من ذاكرة دمشق الثقافية تميزت بعروضها الرمزية وبتقديم أفلام للأطفال والكبار وتمثل بعداً رمزياً لصناعة السينما في القطاع العام. إذ إنها من أبرز دور العرض التي احتضنت الأفلام السورية والعربية وعرضت أفلام مهرجانات السينما العالمية كما قدمت أعمالاً بارزة مثل الفهد لنبيل المالح، والمخدوعون لتوفيق صالح والسكين لخالد حمادة وأفلام الثلاثية الشهيرة رجال تحت الشمس، ثم قدمت لاحقاً في الثمانينات رغم ظهور ملامح التراجع في السينما، مثل بقية المجالات، فيلم أحلام المدينة لمحمد ملص وليالي ابن آوى لعبد اللطيف عبد الحميد... إلخ.
الرموز الثقافية ملك لصانعيها
لم تكن الرموز الثقافية يوماً ملكاً للأنظمة، بل هي للشعب والمجتمع الذي أنتجها وصنعها في مرحلة تاريخية ما. يعتبر المكان كأحد هذه الرموز فسحة أمل، تملك احتمالية التنفس خارج المؤسسة الرسمية، كما وصفته إحداهن، وسينما الكندي هنا مثال على ذلك فقط، وهو ما جعل الكثيرين يشعرون بالخذلان، جرّاء القرارات الجائرة بحق هذه الرموز ومالكيها الفعليين، فهي ملك للدولة السورية والمجتمع السوري الذي صنعها وبناها وطورها، ولذلك أظهر احتجاجه على تلك الممارسات، ويستمر بالنقاش حولها رغم ما يعتقده البعض من أن الحديث في الثقافة ليس سوى ترف في بلاد تعاني ما تعانيه من الأزمات والمشاكل المتراكمة والمستجدة. ولكنه في واقع الأمر جزء من الوضع السوري العام المتأزم، وواحدة من المسائل الضرورية التي تتطلب فهماً وبحثاً ثم عملاً جاداً للخروج من الوضع القائم وفتح الآفاق أمام ما فيه خير للسوريين جميعاً ولبلادهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241