وزارة الاقتصاد تتقن دور «الحريص» على المستهلك.. وبالنتيجة ضرب عصفورين بحجر واحد

انتقاد عمل مؤسسات التدخل الإيجابي، بات الشغل الشاغل للمعنيين الحكوميين بضبط الأسعار والأسواق، فما أن يخبو صوت مدير حماية المستهلك المنتقد لارتفاع الأسعار في صالات تلك المؤسسات، إلا ويعلو صوت معاون وزير الاقتصاد لانتقاد أدائهم في اجتماع عام، وهذا الانتقاد لم يكن حسب تقديرات البعض من باب الدفاع عن المستهلكين أو الحرص على قدرتهم الشرائية، أو من جهة الخوف على دور تلك المؤسسات الحكومية، ورغبة منهم في تطوير أدائها وقدرتها التنافسية، أو تعزيز ثقة السوريين بها، وإنما جاء ذلك –بالدرجة الأولى- من منطلق الهجوم على الدور التدخلي للدولة على اعتباره غير ذي جدوى، وهذا ما يرجحه متابعون للشأن الاقتصادي، ومثالهم على هذا، القول بغلاء أسعار بعض السلع في مؤسسات التدخل الايجابي، والتي توضع في سياق هذا الهجوم، والهادفة من جهة أخرى، لتبرير رفع التجار لأسعار السلع والمواد في الأسواق السورية، فهي بذلك «ضربت عصفورين بحجر واحد»، فمن جهة هاجمت الدور التدخلي للدولة عبر انتقاد تلك المؤسسات دون وضع الحلول لتجاوزاتها، وبررت للتاجر ارتفاع أسعاره على اعتباره ليس أفضل من مؤسساتها..

مصادفة مشبوهة

المصادفة هي التي جعلت من انتقاد الجهات الرسمية لمؤسسات التدخل الإيجابي تحظى بإعجاب التجار وتأييدهم، فهل هذا يعني أن التجار باتوا في صفوف الخائفين على المستهلك السوري؟! ولو كانوا كذلك، لما كان الربح هدفهم الأول والأخير؟!..

الانتقاد الموجه من وزارة الاقتصاد لمؤسسات التدخل الايجابي، يوحي وكأن تلك المؤسسات تتبع لوزارة أخرى، أو أنها غير مسؤولة بسياساتها عن تصويب أخطاء تلك المؤسسات بدلاً من انتقادها بما يخدم الإساءة إلى دورها من جانب البعض، وهذا بتقديرنا ليس من باب الحرص على المستهلك، وإلا لكان من الأجدى انتقاد التجار وممثليهم أولاً، وشن الهجوم على أدائهم الاحتكاري، بدلاً من «تمسيح الجوخ» الحاصل في هذه الأيام بين وزارة الاقتصاد والتجار..

 

شبكة المنتفعين

ولكي لا يفهم بأننا من المدافعين عن الأداء السلبي لتلك المؤسسات، وعن ارتفاع أسعار بعض السلع في صالاتها، والذي لا يمكن إنكاره طبعاً، فإنه كان من الأجدى بهؤلاء المنتقدين الحديث عن أسباب ارتفاع أسعار المواد في الصالات العامة، والبحث عن حلول لها، وهنا لا بد من التساؤل: أليس نهج تأجير صالات مؤسسات التدخل الايجابي وتعهيدها لمستثمرين هو من يساهم في رفع الأسعار بها؟! وما هي مبررات عدم فك الارتباط بين هذه المؤسسات والتجار!. والإبقاء عليهم كموردين أساسيين لأغلب السلع المستوردات، ولماذا لا تسعى وزارة الاقتصاد لاستيراد حاجة تلك المؤسسات من السلع لإلغاء هذه الحلقات الوسيطة؟! والتي تساهم فعلاً في رفع أسعار المواد في تلك المؤسسات أيضاً، عوضاً عن استخدام ارتفاع أسعار بعض المواد في الصالات ذريعة لتبرير الارتفاعات التي يقدمها التجار على سلعهم وموادهم بهدف زيادة أرباحهم، ألا يؤشر كل ذلك لوجود حلقات من المنتفعين في تلك المؤسسات، وشبكات من الفساد المتشعب التي تستفيد من الإبقاء على التاجر كمورد أساسي لمؤسسات التدخل الايجابي العامة؟!..

 

شماعة حكومية

بات التهريب شماعة حكومية تلجأ إليها أغلب الوزارات لتبرير كل أخطائها أو عجزها عن أداء مسؤولياتها، وكأن التهريب قدر مفروض على السوريين، وعليهم التعايش معه كحالة واقعية، رغم تدميره لمفاصل الاقتصاد الوطني، والمبررات حاضرة دائماً«التهريب موجود بكل دول العالم»، وكأنهم بقولهم هذا يحاولون  إعطاء الشرعية لما هو غير شرعي أساساً..

فبعد إتقان وزارة النفط لمعزوفة التهريب، لتبرير طرحها مشروع تحرير أسعار المشتقات النفطية، على اعتبار المشتقات النفطية لدينا أرخص من دول الجوار، والسير بهذا المشروع خطوات عدة، لأن تهريب المشتقات النفطية لا يمكن إيقافه كما يدّعون، إلا أن الجديد  هو دخول وزارة الزراعة على خط التهريب أيضاً، معتبرة أن قرار تصدير لحم العواس جيد، لكونه أفضل من عملية تهريبه كما يجري فعلياً، كما أن هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، بررت في دراسة لها هي أيضاً، ارتفاع أسعار لحوم العواس واللحوم الحمراء، بسبب تهريبها إلى العراق والسعودية وتركيا!..

في هذا الطرح الحكومي المتكرر علامات استفهام عدة، لأن القانون الذي يسيرون لتبرير إجراءاتهم هو التهريب، وبات هو قاعدة التأسيس لخططهم وقراراتهم، وكأنهم غير معنيين كحكومة في ضبط الحدود، التي يؤدي «فلتانها» إلى تدمير الاقتصاد الوطني وإهدار ثرواتنا النفطية والحيوانية على حدٍ سواء، فلماذا لا يرفع الغطاء عن المهربين الكبار الذين يدمرون الاقتصاد الوطني؟! ومن الذي يؤمن الحماية لهم؟! وإلى متى سيبقى هؤلاء فوق المساءلة والمحاسبة؟! ولماذا نسمع الحكومات تتحدث دائماً عن التهريب، وتعترف بوجوده الكبير، دون أن نجد مهربين كباراً يحاسبون أو تجري محاكماتهم؟!