الليرة تفقد 18% من قيمتها بثلاثة أشهر.. والقدرة الشرائية للمداخيل تتراجع %40
تبقى الأزمة التي تعيشها الليرة السورية، إن لم نقل انهيار قيمة العملة الوطنية، أحد أبرز ملامح الخلل في الاقتصاد السوري، والناتجة بطبيعة الحال عن هشاشة السياسات النقدية المتبعة، التي «تزيد الطين بلة»
فأزمة الليرة السورية تشغل بال السوريين اليوم، فهي ما يترتب عليها مستوى معيشتهم، حيث تراجعت القدرة الشرائية لمداخيلهم لفقدان الليرة جزءاً غير قليل من قيمتها في الأشهر القليلة الماضية، فأزمة الليرة تعبر دون أدنى شك عن غياب الرؤية الواضحة لكيفية تحقق استقرار وثبات الليرة لدى «جهابذة» السياسة النقدية في سورية، والذي هو السبب الأساس في أزمتها، دون أن نخفي طبعاً أن النقد هو المعبر عن الوضع الاقتصادي؟! وهو انعكاس له، وتراجع قيمة الليرة بالتالي، سيكون سببه ضعف الأداء والبنية الاقتصادية لدينا، وأسباب وصولنا إلى هذا الوضع الاقتصادي الذي لا نحسد عليه طبعاً، كان بفضل جملة من السياسات الاقتصادية التي طالما أكدنا على عدم نجاعتها، بما يخدم المواطن والاقتصاد معاً، والتي أدت عبر الانفتاح الاقتصادي إلى تدمير الاقتصاد، وتقليل مناعته، ومناعة الليرة السورية من خلفه...
متوسط غير مقنع
شهدت الليرة السورية تراجعاً كبيراً في قيمتها أمام سلة العملات الأجنبية، وخاصة أمام الدولار واليورو، وهذا ما بدأ أبسط المواطنين السوريين بتلمسه على أسعار سلة غذائه اليومية، فالأسعار ترتفع بشكل شبه يومي، وتحت ذريعة ارتفاع الدولار أمام الليرة أو غيرها من الذرائع الأخرى، فلا فرق هنا، عند تاجر يسعى بشكل دائم لتوسيع هامش ربحه، والهامش قد يشكل %50 من سعر السلعة المباعة أحياناً، فعنده يتحد العامل النفسي، والاقتصادي، ليشعل ويلهب الأسعار في الأسواق..
وبالعودة إلى الليرة السورية، وبحسب متوسط صرف العملات الأجنبية لدى مصرف سورية المركزي لعام 2011، توصلنا إلى أن الليرة انخفضت بنحو 7.75 ليرة سورية أمام الدولار، وبنسبة تراجع تصل إلى %16.5 في العام الماضي، كما أن وضع الليرة أمام اليورو فلم يكن بأفضل، حيث هبطت الليرة بنحو 9.96 ليرة سورية، وما يقارب نسبته %16، وهذا المتوسط السنوي للتراجع لم يكن ليعبر عن حقيقة التراجع الذي تعيشه الليرة السورية، وهذا ما دفعنا لحساب التراجع الذي تعيشه الليرة السورية في الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2011...
الليرة تفقد %17.6 من قيمتها
فالمتوسط الأول على ذمة المركزي، ولكن هذا ما استنتجناه نحن انطلاقاً من أرقامه هو، فبحسب أسعار صرف العملات بالليرة السورية لدى مصرف سورية المركزي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام2011، توصلنا إلى أن الليرة السورية انخفضت نحو 8.39 ليرة سورية أمام الدولار، وبنسبة تراجع تصل إلى %17.6، كما أن وضع الليرة أما اليورو لم يكن بأفضل، حيث هبطت الليرة بنحو 5.87 ليرة سورية، وما تقارب نسبته %8.7، وهذا يعني فقدان الإيداعات والمدخرات المالية في المصارف السورية (800 مليار ليرة) %17.6 من قيمتها..
هذا هو تراجع قيمة الليرة في السوق النظامية، إلا أن انخفاض قيمة الليرة في السوق السوداء - التي تستحوذ على القسم الأكبر من التبادل النقدي - كان أكبر من ذلك بالتأكيد، فالدولار وصل فيها إلى 75 ليرة سورية، وذلك بدلاً من 50 - 52 ليرة سورية في بداية الأزمة، وهذا يعني أن الليرة السورية فقدت %50 من قيمتها، فهذه التسعيرة ليست بالشكلية، بل هي ما يباع فيها الدولار ويشترى، وبعد توقف المركزي عن تمويل المستوردات، باتت هي الملجأ لذلك، وهذا ما جعل من أسعار المواد المستوردة من الخارج أغلى، وأدى لارتفاع أسعار المواد المستوردة في السوق المحلية، ولكن بشكل أكبر بكثير من قيمة ارتفاع الدولار في السوق السوداء، وهنا اتحد العامل الاقتصادي والنفسي أيضاً ليلهب الأسواق..
وماذا عن القدرة الشرائية؟!
يترافق انخفاض قيمة العملة مقابل سلة العملات الأجنبية مع ارتفاع الأسعار في السوق، والذي قدر متوسطه بنحو %25 خلال الشهور الثلاثة الماضية، وبالتالي، فإن القدرة الشرائية للمواطن السوري، قد تراجعت بما يتراوح بين 40 - %50 من قيمتها، أي أن أصحاب الدخول المحدودة قد فقدوا في هذه الأزمة ما يقارب %50 من دخولهم، وهذا سينعكس تراجعاً على مستوى معيشتهم، لأن كل تلك الارتفاعات ترافقت مع ثبات في دخل السوريين، إن لم نقل تراجعه في أغلب العاملين في مجال الأعمال الحرة، من حرفيين، وعمال، وصناعيين، وغيرهم الكثير من عمال القطاع الخاص والمشترك، والذين تم تخفيض رواتب من تبقى منهم في عمله خلال الأزمة الشاملة التي تعيشها سورية والسوريون اليوم..