الإصرار المشبوه على التعامل مع الأوروبيين يفضح فساد المتورطين

من جديد تطل أزمة الغاز برأسها على السوريين، وذيولها لم تكن قد فارقت مخيلتهم بعد، كما تتجدد مع هذه الأزمة أيضاً تصريحات الوزير المختص ذاته حول حقيقة وجود أزمة من عدمه، فبين نفي مبدئي كالعادة لوجود أزمة غاز في سورية، والذي يشكل بالمحصلة مشكلة تضاف للإشكال الأساسي، لتطفو على السطح في الوزارة ذاتها، خلافات في تقييم حقيقة الأزمة وعمقها، بين وزير متفائل بحلها بأيام معدودة، وجهات أخرى، كمؤسسة محروقات، ترى أن الأزمة قد تطول، فمن نصدّق؟! وهل هي أزمة فعلية أم هي محاولة لافتعال أزمة من جانب تجار الأزمات المرتبطين بالقرار التنفيذي أساساً؟! وما هي جذورها؟! ولماذا تتحدث الحكومات المتعاقبة عن نتائج تلك الأزمات دائماً دون الخوض في الأسباب الحقيقية لنشوئها، والبحث عن آليات معالجتها؟!

«عالوعد ياكمون»

في البداية، ومنذ ظهور أولى بشائر الأزمة، كعادته، نفى وزير النفط وجود أزمة بتوفر مادة الغاز، بينما كان السوريون يبحثون بـ«الفتيلة والسراج» عن أسطوانة الغاز، لا بل إنهم كانوا يدفعون ثمن الاسطوانة الواحدة في بعض المناطق نحو ألف ليرة سورية، وبفارق يصل إلى 600 ليرة عن سعرها الفعلي، وبزيادة 120%، ليأتي اعتراف من الوزير الرافض وجود أزمة قبل حين «إن هناك نقصاً واضحاً في مادة الغاز»، مبشراً بحلول قريبة، وبتعويض قريب للنقص الحاصل في مادة الغاز، والذي سيعوض عبر كميات ستتسلمها سورية بالأيام القليلة القادمة بعد التعاقد مع أكثر من باخرة وشركة لتوريد المادة، لكن الأزمة لم تحل بعد، ووعود الوزير وبواخره ضاعت أدراج الرياح، وبقي السوريون هم وحدهم في دوامة البحث عن أسطوانة الغاز..

«تآمر» مزدوج

بعض المراقبين يعتبرون أن الجزء الأكبر من الأزمة يعود لأسباب داخلية، بينما حصة العقوبات في تلك الأزمة غير ذي أهمية، لأن البدائل أمام الإدارة الاقتصادية لاستيراد مادة الغاز متاحة، والشركات والدول غير الملتزمة بالعقوبات غير قليلة، وبالتالي ليس هناك من خلل من حيث المبدأ بعملية توريد المادة من الخارج، وبالتالي، تبقى القضية بعهدة أسباب داخلية، أي أن تجار الأزمات هم من افتعلوها بالتنسيق مع المعنيين في الوزارات المختصة، وهذا ليس اتهاماً، وإنما استنتاج لعدة فرضيات توصلنا إلى ذلك، فإذا كانت البدائل العالمية لمادة الغاز متاحة، ولا مشكلة بالتوريد، وإذا أضفنا إلى ذلك، أن المادة متوفرة بالسعر المرتفع الذي تحدثنا عنه في بداية تحقيقنا، بينما لا يجدها السوريون بسعرها الحقيقي، فإن هذا يحتم تآمر طرفين، أي أن وزارة النفط، تسعى لخنق السوق، واختلاق أزمات كتلك، بالتنسيق مع تجار هم صيادون محترفون للأزمات، ومشاركون في افتعالها طبعاً..

تناقض مفضوح

في سياق آخر، وللحديث عن التناقض الحاصل في توصيف الأزمة من جانب الجهات الحكومية، أشار مدير عام مؤسسة محروقات في تصريح له بأن استيراد المازوت والغاز توقف، والأزمة قد تطول، وهذا بخلاف ما أعلنه الوزير ذاته، فما هي المعلومات التي يمتلكها مدير المؤسسة للقول باستمرار الأزمة بكل تلك الثقة؟! وإذا كان كلامه واقعياً، وهذا ستثبته أو تنفيه الأيام القليلة القادمة، فلماذا يصّر الوزير على تمثيل دور الرافض لوجود الأزمات؟! وهل يظن أن رفضه الاعتراف بها سيلغي وجودها واقعياً، وهي التي لا تحتاج لاعترافه لتؤكد وجودها بالأساس، وما مبررات وجود مثل تلك التناقضات المفضوحة في التعاطي مع الأزمة؟!

احتكار توريد المشتقات النفطية أيضاً

أصابع أزمة الغاز الحالية تشير بالاتهام إلى الخلل في السياسة النفطية المتبعة منذ عدة عقود، والتي كرست الاحتكار حتى في توريد المشتقات النفطية من الخارج، باعتمادها على عدد محدد من الموردين الأساسيين، ومن الدول الأوروبية حصراً، على الرغم من أن هؤلاء سرعان ما يتخلون عن التزاماتهم تجاهنا مع كل أزمة ناشئة، ليدفع السوريون دائماً ثمن تلك الارتباطات مع الاتحاد الأوروبي، وهذا بعكس المنطق الحالي، الذي يفترض فك الارتباط اقتصادياً مع تلك الكتلة الاقتصادية، بدلاً من الهجوم عليها في الساحات الإعلامية المزيفة، فالتوجه شرقاً كان ولا يزال هو المخرج للأزمة الاقتصادية التي نعانيها اليوم، ومطلب فك الارتباط الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي أو تقليصه، هو الحل الذي لم يجر إتباعه في الماضي، ولا نية لتطبيقه حتى في هذه الأزمة الوطنية الشاملة التي نعانيها أيضاً..

الفساد أول المتورطين

خلقت الاستراتيجيات الاقتصادية السيئة في السابق مثل تلك الأزمات، والتي يتمثل عمودها الفقري بالإصرار الحكومي على تصدير المنتجات النفطية الخام، على الرغم مما يشكله من إهدار لثروتنا النفطية، وذلك عبر تعطيل أي مشروع لإنشاء مصفاة نفطية، وخصوصاً أنها مرت ثلاثة مشاريع، وعلى امتداد خمس سنوات، ولم نرَ حتى الآن انطلاقة أية من مشاريع بناء المصافي التي جرى تصميمها أو الحديث عنها، وهنا يضع متابعون علامات استفهام عدة، حول الإصرار المشبوه على التعامل مع الاتحاد الأوروبي حصراً لتوريد المشتقات النفطية، رغم توفر البديل، كما يتساءلون هم ذاتهم، عن أسباب تعطيل بناء مشاريع المصافي النفطية من جانب البعض، ومن هي الجهات التي تقف خلف ذلك، دون أن ينكروا أن الفساد هو المتورط الأول في إبقاء تلك المعادلة على حالها، رغم كل الضرورات التي تفترض كسرها، حفاظاً على مواردنا الاقتصادية بالدرجة الأولى..

مقدمات لرفع الأسعار!

التساؤل الأساس الذي يخطر في أذهان المراقبين للأزمات المتكررة التي يعاني منها السوريون  دائماً، هل هي مقدمات لرفع الأسعار؟! وأقرب شواهدها، أزمة مادة الغاز سابقاً، والتي رفعت سعر الاسطوانة من 250 ليرة سورية إلى 400 ليرة، أو كما يحصل حالياً مع مادة المازوت، والتي جرى افتعالها لتبرير رفع سعر الليتر الواحد بنسبة 25%، إلى 20 ليرة سورية لليتر، فإلى متى ستستمر الحكومة في تضليل السوريين؟! باختلاق الأزمات، والاستناد إليها في اتخاذ قرارات اقتصادية لاحقة، تنعكس سلباً على حياة ومعيشة السوريين!..