محمد علي طه
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
إن الأجر والدخل المحدود للعاملين في المدينة أو الريف هو مصدر معيشتهم الأساسي، ولا يجوز السماح بتهديده والتلاعب فيه، وخاصة في هذه الظروف الخطيرة التي تمر فيها بلادنا، وهو أساس هام تستند إليه كرامة المواطن التي دون تأمينها لا يمكن الحفاظ على كرامة الوطن.
تعبر أفق ذاكرتي اليوم مفارقة طريفة تتمثل في عبارة كان سكان دمشق يستخدمونها عبر عدة عقود من الزمن، والعبارة هي «نازل ع الشام» أو «نازل ع البلد» يقولونها حين ينوون الذهاب إلى مركز المدينة (ساحة المرجة- ساحة الشهداء فيما بعد)، وقد سمعتها من أبي ومن آخرين كثيرين وأنا استعملتها خلال عشرات السنين، ولم أكن أدرك خلال مرحلة الطفولة وحتى بداية مرحلة الشباب سبب استخدام هذا «المصطلح» إلى أن سمعت تفسيراً له من جار مسن، خلاصته أن دمشق القديمة هي مدينة دمشق، وأن الأحياء التي أقيمت حولها وعلى مسافات مختلفة منها شقت دروباً لها تصلها بالمدينة ومن الطبيعي حينها أن يقول سكان تلك الأحياء الذين يقصدون مركز المدينة إنهم ذاهبون إلى الشام (اسم المدينة في ذلك الزمن).
إن بلادنا ومجتمعنا بحاجة إلى حركة نقابية قوية ومؤثرة، تدافع عن مصالح الطبقة العاملة بجرأة وجدية، وهذا مطلب جميع المواطنين و التقدميين لأنهم يعون تماماً أنه في مواجهة قوى السوق المنفلتة من عقالها والتي أضحى لها ممثلوها الرسميون ومطالبها الواضحة لابد من حركة شعبية عمالية عالية التنظيم لمواجهة الضغوطات التي تمارسها قوى السوق المحلية، وبطبيعة الحال فالنقابات مرشحة لأن تلعب هذا الدور لأنها تملك الخبرة والتجربة والتقاليد والكادر الذي يسمح بذلك.
منذ كنا صغاراً، اختزنت ذاكراتنا الكثير من أخبارٍ سمعناها من الكبار الذين عاشوا مرحلة الاحتلال الفرنسي الغاشم، والانتفاضات الشعبية والثورات الوطنية في وجه تسلطه وقمعه واستغلاله.
تتوالى القوانين والقرارات الحكومية بالجملة مستهدفة إغراء وإرضاء أصحاب الرساميل الكبيرة بحجة تحسين مناخ الاستثمار في سورية. واللافت للنظر أنه ومنذ سنوات ومع كل خطوة في هذا الاتجاه كان الوضع الاقتصادي من حيث المؤشرات النوعية التي تهم معيشة المواطن ومستوى حياته يزداد سوءاً، مما يدفع للاستنتاج أن السياسات الحكومية لا تلبي حتى الهدف الذي تعلنه، فالتضخم بازدياد، والأسعار تشتعل، وأزمات السكن والنقل تزداد تفاقماً، والبطالة تراوح في مكانها، يضاف إليها التذني المستمر لمستوى الخدمات الصحية والتعليمية لعموم الناس، مع ارتفاع أسعارها في حال توفرها لأصحاب الدخل غير المحدود. لقد أعلنا وبينا موقفنا وتخوفنا من القرارات والقوانين التي تبحث فقط عن إرضاء المستثمرين العرب والأجانب، ابتداء من قانون الاستثمار رقم 10 في حينه، وصولاً إلى قانون البورصة المالية مؤخراً، وانتهاء بالتعديلات على قوانين الاستثمار التي تجبر بإخراج الرساميل والأرباح بحرية لا تحلم بها هذه الرساميل حتى في بلدانها.
من المصادفات النادرة ما حدث معي عصر يوم الأربعاء الماضي فبعد أن أنهيت قراءة كتاب «دفتر السجن» للقائد الفيتنامي الشهير هوشي منه، عدت لأتصفح الغلاف والمقدمة، وإذ بصوت جرس الهاتف يرن، وكان المتصل رفيق العمر أبو سمير الذي بادرني عقب التحية والسلام بالسؤال التالي: «من هو مترجم كتاب دفتر السجن لهوشي منه؟ فقد اختلفت مع أحد الأصدقاء حول اسم المترجم!».
أصداء كلمات جبران خليل جبران ترن في سمع القلب: «نفسي مثقلة بأثمارها.. نفسي طافحة من خمرة الدهور.. فهل من ظامئ يسكب ويشرب ويرتوي؟»
مع إطلالة العام الجديد، أقدمت الحكومة على تقديم «هدية» جديدة لجماهير الكادحين والشغيلة الفقراء وذوي الدخل المحدود فقد نشرت الصحف اليومية بتاريخ 25/12/1988 خبراً بعنوان «إنتاج خبز محسن بسعر أربع ليرات للكيلو غرام. وأكد الخبر بأن إنتاج هذا الخبز (الجديد) سيكون محدوداً وأن الخبز العادي (لاحظوا العادي) سيكون متوفراً كالمعتاد وبسعر الكيلو 150 ق.س.
باتت مسألة ارتفاع أسعار جميع المواد وبشكل خاص السلع الغذائية والاستهلاكية أمراً «مفروغاً» منه، لا جدال فيه، فمنذ سنوات بدأت الأسعار ترتفع بشكل غير عاديّ، حتى وصلت إلى شكلها الجنونيّ، وأصبح الفرق شاسعاً بين الأجور والأسعار، وهو يزداد كل يوم، وفي كل مرة يطالعنا المسؤولون من خلال وسائل الإعلام المختلفة بحلول «حازمة» منها مسألة تثبيت الأسعار والرقابة التموينية الشديدة وغير ذلك، ولكن ما أن تمضيّ أيام حتى تبدأ الأسعار بالارتفاع من جديد، ونتيجة ذلك تزداد أوضاع الطبقة العاملة والكادحين سوءاً.
لتكون على بينة مما تقدم، لا بد لك من أن تحاور الناس وتستوضح حالهم من أفواههم هم، وهذا ما قمنا به فعلاً: