من الذاكرة: على دفاتري المدرسية
أصداء كلمات جبران خليل جبران ترن في سمع القلب: «نفسي مثقلة بأثمارها.. نفسي طافحة من خمرة الدهور.. فهل من ظامئ يسكب ويشرب ويرتوي؟»
وأراني اليوم وأنا على عتبة الثمانين، أتحدث عن الصبا والجمال ودفقات ارتعاش الحب الأول التي شقت درب عاطفتي، وقد تفتحت مع بداية المراهقة خلال مرحلة الدراسة الإعدادية في التجهيز الأولى، ففي طريقي إلى مدرستي – شأني شأن كل طلاب الأحياء الشمالية لمدينة دمشق.. المهاجرين والصالحية وركن الدين أمشي في طريق الصالحية.. وما أدراك ما طريق الصالحية حيث أرتال بل مواكب الصبايا الغاديات أو الرائحات إلى مدارسهن.. ومجرد رؤيا أسرابهن تلهب نبضات قلوب الناظرين وبخاصة الشباب المراهقين، فتخفق حنايا قلوبهم بمشاعر الإعجاب والاستلطاف وخلجات الحب.. وهذا أمر له ما بعده.. بل ما بعد بعده!
بيد أني لم أقع في الشراك.. إلى أن حضرت في سينما دمشق المنتصبة على ضفة نهر بردى قرب جسر فيكتوريا.. حضرت فليماً اسمه على ما أذكر «لك يوم يا ظالم» فإذا بي أرى على الشاشة ملاكاً يأخذ بمجامع فؤادي، ويأسرني، فأقع في الشبكة صريع حب أصبح هاجسي الملازم والمثير لكوامن العشق «العذري» فأسارع إلى كتابة رسائل الغزل الملتهب لأبعث بها إلى حبي الأول، بعد أن حصلت على عنوان بيتها من مجلة الإذاعة المصرية، أعبر عن شدة الوجد والحنين والعذاب، بعد أن فتنني سحر جمالها وعذوبة صوتها وكلامها.. فكأني يومها استعير أجنحة شاعر المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية المناضل «بول إيلوار» وهو يكتب رائعته الإنسانية الثورية – الحرية- فأكتب اسم من أحببت على دفاتري المدرسية وعلى منضدتي.. وعلى الأشجار.. على الرمل والجليد.
لقد تفتحت أزهار عاطفتي.. وكانت كما يقال: عين المحب تفضح سره ولا سيما دموعه. ولتستمر الحال هكذا لمدة عامين وعلى الرغم من «تجاوزي» هذا العشق الطفولي المراهق، بعد أن انجذبت إلى ميدان العمل السياسي الذي استحوذ على كل ما أملك من وقت وقناعة والتزام وطاقة وجهد، فإن ذكريات عاميّ المراهقة البريئة مازالت توافي الوجدان كنسائم منعشة كلما ذكر اسم «فاتن حمامة».