من الذاكرة: ويتوسع العالم يوماً بعد يوم
من المصادفات النادرة ما حدث معي عصر يوم الأربعاء الماضي فبعد أن أنهيت قراءة كتاب «دفتر السجن» للقائد الفيتنامي الشهير هوشي منه، عدت لأتصفح الغلاف والمقدمة، وإذ بصوت جرس الهاتف يرن، وكان المتصل رفيق العمر أبو سمير الذي بادرني عقب التحية والسلام بالسؤال التالي: «من هو مترجم كتاب دفتر السجن لهوشي منه؟ فقد اختلفت مع أحد الأصدقاء حول اسم المترجم!».
فأجبته «إن المترجم هو الرفيق الأديب وصفي البني، وكاتب المقدمة هو أديب اللجمي، والكتاب من منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق 1969» والقصيدة الأولى بعنوان يوميات السجن:
«إن ما في السجن جسمك
ليس ما في السجن روحك
فاحفظ القلب سليما
تنجز الأمر العظيما»
وإن أردت زيادة في الإيضاح فسعر الكتاب 150 ق.س فسارع بإبداء إعجابه الشديد قائلاً: «ما أروع ذاكرتك يا رفيق!» فقلت له: «إن جوابي عن سؤالك ليس من الذاكرة، بل مما هو مكتوب على غلاف الكتاب الموجود بين يدي الآن بعد أن أنهيت قراءته للتو فقال: شيء غريب وعجيب.. لا أصدق، فقلت له: لا عجيب ولا غريب وإنما هو الواقع فعلاً!»
فودعني شاكراً، وبالفعل حلقت بعدها مباشرة على جناح الذاكرة إلى البعيد البعيد مستذكراً قول الشاعر:
أحب من الكهولة وهي حق
خيال للطفولة زار حينا
حلقت إلى أيام كنت طفلاً أحبو أرض الغرفة التي كانت كل دنياي، وكانت أمي تضعني حيناً في السحارة الخشبية كي تضمن أن لا أحبو نحو العتبة فأقع وأصاب بأذى، وفي أحيان أخرى تتركني خارج السحارة بعد أن تحزم وسطي بحبل رفيع لا يصل مداه إلى عتبة الغرفة فأحبو في المدى الآمن! ومن الطبيعي أنه مع توالي الأيام ستتفتح «مداركي» كطفل وستأخذ بالاتساع شيئاً فشيئاً مع اتساع «عالمي الخاص»، وعلى حد قول الغالية فيروز «يا ولادنا يلي كل عيد بتبعدو لبعيد». ولعل أفود مرحلة من بدء اتساع عالمي الصغير تعود إلى عام 1940 حين أخذني أبي معه وركبنا الترا ماي من موقف الشيخ محي الدين نحو المرجة حيث يعمل في كراج «الخرفان» للسفريات بين المحافظات الكائن في مدخل البحصة جانب سينما أمية وفي الجهة المقابلة له الجدار الغربي لبناء العدلية «قصر العدل في ذلك الزمن» وفيه تجري محاكمات المساجين.. وما كان أقلهم حينها!!