من الأرشيف العمالي: إعادة النظر بكل السياسة الأجرية

إن الأجر والدخل المحدود للعاملين في المدينة أو الريف هو مصدر معيشتهم الأساسي، ولا يجوز السماح بتهديده والتلاعب فيه، وخاصة في هذه الظروف الخطيرة التي تمر فيها بلادنا، وهو أساس هام تستند إليه كرامة المواطن التي دون تأمينها لا يمكن الحفاظ على كرامة الوطن.

يتعرض مستوى معيشة شرائح واسعة من المجتمع السري، والتي تعتمد على الأجور في المدينة، أو على الدخول المحدودة في الريف، إلى ضغط شديد بسبب ارتفاع الأسعار المستمر في الفترة الأخيرة.
إن المحللين الاقتصاديين يضربون أخماساً بأسداس لمعرفة الأسباب والمسببين لهذه الظاهرة، فمنهم من يحمل المسؤولية لتجار المفرق، ويضع البعض الأخر المسؤولية على الصين لازدياد طلبها على الحديد الأوكراني مما رفع أسعاره، ومنهم أخيراً من يضع المسؤولية على العملة الأوربية التي تحسن وضعها في الأشهر الأخيرة مقابل الدولار، أو على السياحة وانخفاض مداخيلها أو لما يسمى بالفساد الإداري.
ولكن كل هذا التحليلات كانت غير قادرة على الإجابة عن الأسئلة التالية:
- ما علاقة ارتفاع أسعار اللحوم بكل هذه الأسباب؟
- لماذا لن تخفض الأسعار مع انخفاض اليورو المؤقت الذي عاد فتره لسعره السابق قبل الارتفاع؟.
- لماذا ارتفعت أسعار العقارات بشكل غير متناسب نهائياً مع تخفيض سعر الفائدة في البنوك السورية؟.
والواضح أن هناك سبباً عميقاً لم تلامسه أكثر التحليلات وهو أن تحرير الأسعار من الحكومة أيّ «تغليتها» قد عاد بالفائدة على قوى السوق الكبرى البرجوازية الطفيلية التي اغتنمت أول فرصة لكي تبدأ موجه جديدة شاملة من ارتفاعات الأسعار طالت كل المواد مكبلة ومقيدة بهذا الشكل الأجور والمداخيل المحدودة التي هي أصلاً غير قادرة على تلبية المتطلبات الضرورية لمستوى عيش كريم للأكثرية الساحقة من العاملين في المدينة والريف والسؤال المطروح:
لماذا هذا التنازل الجديد من الحكومة أمام قوى السوق، وفي هذا الوقت بالذات؟، هذا التنازل الذي ترك العاملين بأجر فريسة سهلة أمام القوى المتوحشة والمرتبطة بالرأسمال المعولم. هذا الرأسمال الذي يشهر عصا التهديد والعدوان بالانتقال من «محاسبة سورية» إلى قانون «تحريرها».
إن هذا الواقع يطرح بشدة اليوم ضرورة إعادة النظر بكل السياسة الأجرية المتبعة إذا كانت هذه السياسة موجودة فعلاً!.

قاسيون العدد 221 أيار 2004