سعد خطار
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مع مطلع شهر آذار الجاري، كان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي- الذي أنشئ في عام 2014 كمنظمة دولية للتكامل الاقتصادي الإقليمي- قد نما بشكل كبير في الساحة الدولية، وبات يجذب أنظار المزيد من الدول رغم عمره القصير نسبياً. حيث تثير حرية التنقل للسلع والخدمات ورأس المال والعمالة التي تمكنها هذه المنظمة- إلى جانب السياسة المتماسكة والمستقرة التي تؤمّنها في مختلف القطاعات الاقتصادية- اهتماماً متزايداً بالتعاون مع الاتحاد، وبشكلٍ خاص على أرضية العقوبات الجائرة التي يفرضها الغرب على الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية.
لا تزال تتالى المؤشرات التي تدلّ على التراجع الكبير في وزن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية، ومنها: أنه خلال العام الماضي، تجاوزت الصين فعلياً الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي. وهو الخبر الذي واجه «أذناً صمّاء» من جانب الإعلام السائد في الغرب.
مهَّدت المكالمة الأولى التي قام بها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الطريق الصعب المتوقع للعلاقات بين القوتين الدوليتين في ظل إدارة بايدن. وفي حين أنه لا يوجد أي مكسب فعلي أمريكي يمكن توقعه من مسار التصعيد مع الصين، إلا أن بعض التطورات الأخيرة ترجِّح إلى حد كبير هذا التوجه في السياسة الأمريكية.
درجت العادة على اعتبار أن سياسات إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قد وضعت العلاقات بين واشنطن وبكين في السنوات الأخيرة على شفا حرب باردة جديدة، وهي العلاقات التي تعاني حالياً من أكثر الأوضاع توتراً منذ عقود، ذلك إذا أخذنا بالاعتبار الحرب التجارية، والعقوبات المتوسعة باستمرار، والمواجهة العسكرية المتصاعدة في بحر الصين الجنوبي.
رغم أن «التحالف عبر الأطلسي» لا يزال قائماً ويتمتع ببعض القوة العسكرية، فقد شهدت السنوات الأربع الماضية على نحو متزايد أنه أصبح غير ذي جدوى من حيث قدرته على ضبط إيقاع العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا، والاتحاد الأوروبي وروسيا، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما أن قدرة هذا التحالف على التأثير في نتائج الصراعات المختلفة قد انخفضت انخفاضاً كبيراً على مدى السنوات القليلة الماضية.
أرسى إنهاء الصراع العسكري في إقليم ناغورني كاراباخ، والذي توسطت روسيا فيه عن طريق رعاية المفاوضات بين الجانبين الأرميني والأذربيجاني، الأساس المتين لتحولٍ جيوسياسي كبير في جنوب القوقاز. وفي حين أن دور روسيا في إنهاء الصراع العسكري والحفاظ على وقف إطلاق النار رسّخ دورها كمسؤولة عن جنوب القوقاز، فإن التطورات اللاحقة تظهر كيف تعمل كل من روسيا والصين على نزع المخلب الأمريكي من هذه المنطقة نهائياً.
لم يتفاجأ أحد بتصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رسم صورة قاتمة للولايات المتحدة إثر الأزمة الاقتصادية والصحية المتفاقمة في البلاد. فبالرغم من أنها المرة الأولى التي يعترف بها الرئيس الأمريكي بوجود هذه الأزمة علناً مؤكداً أن «البلاد تعاني» إلا أن أحداً من وسائل الإعلام السائدة لم يهتم لا بهذا التصريح، ولا بمجمل المؤشرات التي تؤكد الارتفاع غير المسبوق في مستوى تشاؤم الأمريكيين إزاء مستقبل بلادهم.
في حين انتشرت الكثير من التوقعات المبكرة بأن جو بايدن سوف «يحدث تغييراً إيجابياً» في حالة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، فقد أصبح من الواضح أن التغيير الوحيد الذي ستجلبه إدارة بايدن، في حال انتقلت السلطة إليها فعلاً، سيكون زيادة نسبية في التركيز على الجوانب العسكرية للتوترات الثنائية مع الخصوم الاستراتيجيين.
نظراً للقوة الهائلة التي تتمتع بها الصين على المستويات كافة، فإنه من الطبيعي جداً أن نرى مختلف الإدارات في الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها العسكرية، مهووسة بصعود الصين ومحاولة إبطاء هذا التغير الحاصل في الموازين الدولية لغير المصلحة الأمريكية، ولا سيما أنه يتزامن مع صعود الخصم الدائم للولايات المتحدة المتمثل بالاتحاد الروسي.
شرعت الصين منذ أكثر من عقد في بناء السياسة التي تعتمد على «اقتصاد السلام»، وهي الإستراتيجية التي انتهجتها غير متأثرة بالعدوان المستمر من جانب الغرب بقيادة الولايات المتحدة. ما فتح باب التساؤل: هل كانت هذه الطريقة الصينية الصامدة والسلمية في آن معاً هي السبب في جعل البلاد نموذجاً ناجحاً يبدع بشكلٍ مستمر، ويحتضن المزيد والمزيد من الحلفاء في طريقه؟