«الأمن الجماعي» والنجاة من اختبار 2020

«الأمن الجماعي» والنجاة من اختبار 2020

لا يجادل أحد اليوم بأن عام 2020 كان حافلاً بالتحديات الجيوسياسية بالنسبة لجميع دول العالم، حيث ساهم فيروس كورونا في تعزيز الأزمة الاقتصادية الموجودة أصلاً، من خلال إغلاق الحدود، وانخفاض الإنتاج والتجارة، وما نتج عن ذلك من تداعيات إضافية على الاقتصاد العالمي. وفي خضم هذا كله، حلّت الأزمات السياسية والأمنية بعدد من الدول، بينما يمكن القول: إن دول منظمة «معاهدة الأمن الجماعي»، روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، قد نجت إلى حدٍ بعيد من اختبار عام 2020.

عقدت دورة منظمة «معاهدة الأمن الجماعي» في 2 كانون الأول 2020. ونظراً لحالة الجائحة، فقد جرى الحدث عن بعد في شكل مؤتمر فيديو وترأس الاجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لخص نتائج أنشطة منظمة معاهدة الأمن الجماعي خلال العام الماضي. وكانت المشاكل الرئيسية التي تواجهها بلدان المنظمة في هذه السنة الصعبة هي: الحرب في كاراباخ، والاضطرابات في بيلاروسيا وقيرغيزستان، والمزيد من العلاقات المتوترة مع الغرب، ووباء كورونا.

المشاكل التي واجهتها المنظمة خلال 2020

في معرض معالجته لنزاع كاراباخ الذي جرى بين أيلول وتشرين الثاني 2020، أشار الاجتماع إلى دور روسيا كوسيط في حله، حيث كان لنشر قوات حفظ السلام الروسية على خط التماس وعلى طول ممر لاتشين الذي يربط كاراباخ بأرمينيا أهمية كبيرة، وفيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في بيلاروسيا، أكد على الدور السلبي الذي لعبه الغرب فيها، حيث شنَّ حملة إعلامية ضد الحكومة الحالية في البلاد ومارس عليها ضغوطاً عبر فرض العقوبات.
وفيما يتعلق بوباء كورونا، أشار الاجتماع إلى عمليات تسليم المعدات الطبية، ونظم الاختبار، ومعدات الحماية التي قدمتها روسيا لشركائها في المنظمة على مدار العام، فضلاً عن الأطباء الروس الذين عملوا في هذه الدول، وأشاد الاجتماع بالاستقرار في قرغيزستان، التي شهدت اضطرابات واسعة واستقالة الرئيس في تشرين الأول 2020، وحقيقة أنه على الرغم من تغيير الحكومة، لم تغير قرغيزستان موقفها تجاه منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وحول المهام المقبلة، أكد الاجتماع أنه ينبغي لدول منظمة معاهدة الأمن الجماعي أن تساعد بصورة مشتركة الأشخاص المتضررين من نزاع كاراباخ، والحاجة إلى تطوير التعاون الطبي والدوائي بين دول المنظمة من أجل التغلب على الوباء في أقرب وقت ممكن. ومن أهم القضايا في هذا الصدد: بدء عمليات تسليم اللقاحات الروسية المضادة للفيروسات إلى جميع دول المنظمة، فضلاً عن إنتاجها المشترك.

ما هي النتائج؟

انقضى أكثر من ثلاثة أشهر منذ دورة كانون الأول. وفي نهاية الشهر ذاته، بدأ إنتاج اللقاح الروسي سبوتنيكV في كازاخستان. وانتخبت قرغيزستان سادر زاباروف رئيساً جديداً للبلاد في كانون الثاني 2021. وتضاءلت إلى حد كبير الاحتجاجات في بيلاروسيا، وبحلول منتصف آذار 2021، عاد أكثر من 52,700 لاجئ إلى كاراباخ. وبهذا المعنى، لا يحتاج الأمر إلى جهد كبير للاستنتاج بأن المنظمة نجحت نجاحاً لافتاً في حل المشاكل التي أثيرت في دورة كانون الأول.
وكما كان الحال في السنوات السابقة، لا يزال التعاون الدفاعي للحفاظ على الأمن الإقليمي مهمة لها الأولوية القصوى لدى دول المنظمة. ورغم كل المصاعب الجديدة التي جلبتها سنة 2020، لا تزال هنالك مشاكل قديمة كثيرة. على سبيل المثال: الحالة في أفغانستان، البلد المجاور لدول المنظمة، حيث كانت البلاد في حالة حرب منذ عقود، وهنالك إمكانية دائمة لاختراق الجماعات المسلحة غير المشروعة أو مرور قوافل المخدرات إلى دول المنظمة، ولا سيما عن طريق الحدود الأفغانية الطاجيكية.

الحالة الأفغانية: استحقاق 2021

أظهرت الحالة في أفغانستان في عام 2020 ميلاً أيضاً نحو التعقيد. ففي شباط 2020، وبعد مفاوضات مطوَّلة، تم التوقيع على اتفاق سلام بين الولايات المتحدة، التي تحتل أفغانستان منذ عام 2001، وحركة طالبان. ووفقاً للاتفاق، بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان في عام 2020، ومنحت حركة طالبان، أقوى منظمة في البلاد، وضع «قوة سياسية قانونية» لها الحق في المشاركة في الانتخابات الأفغانية.
وفي آذار 2020، بدأت الولايات المتحدة في سحب قواتها. وطوال الفترة المتبقية من العام، واصل الجيش الأمريكي مغادرة أفغانستان، وأفرجت حكومة البلاد عن سجناء طالبان. ورغم الوضع القانوني الجديد لطالبان، تواصلت أعمال العنف في البلاد، والتي قتل فيها مئات المدنيين الأفغان.
من وجهة نظر جيوسياسية، هنالك تقدير مشترك لدى دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي بأن ثمة محاولات أمريكية لربط انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان مع تعميم الفوضى في البلاد، إذ إن هنالك تكهنات (لا تخلو من تقديرات أمنية) بأن طالبان لا تعتزم التخلي عن أساليبها وهويتها كلاعب أمريكي، وبعد أن يغادر الجنود الأمريكيون أفغانستان في النهاية، ستحاول طالبان الاستيلاء على السلطة في البلاد بالقوة. وفي هذه الحالة، فإن حكومة أفغانستان المعترف بها، والتي ظلت قائمة طوال هذه السنوات لسبب وحيد هو الدعم الأمريكي لها، من غير المرجح أن تتمكن من الوقوف في وجه طالبان مع القوات المتبقية من حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في البلاد. وإذا حدث الاستيلاء على السلطة، يمكن لأفغانستان والمنطقة بأسرها أن تتوقع هياجاً حقيقياً للتنظيمات المتشددة. وبناءً على ذلك، قد تزداد الحالة سوءاً على الحدود الطاجيكية– الأفغانية، مع انعكاسات ذلك على دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

سيتضح مستقبل الوضع في أفغانستان قريباً: فقد تعهدت الولايات المتحدة بسحب قواتها بحلول أيار 2021. وفي حالة حدوث سيناريو سلبي، ستواجه منظمة معاهدة الأمن الجماعي أية مضاعفة تهدد حدودها، وإدراكاً لذلك، واصلت بلدان المنظمة طوال عام 2020 إجراء مناورات عسكرية مشتركة رغم ظروف انتشار فيروس كورونا. ومن أبرز هذه المناورات: مناورة «الأخوّة غير القابلة للكسر» التي أجريت في تشرين الأول 2020 في بيلاروسيا، وفي خطٍ موازٍ، تدخل موسكو على خط التفاوض بين الحكومة الأفغانية وطالبان، أولاً: لخلق مظلة جديدة لحل الأزمة بعيداً عن اليد الأمريكية. وثانياً: لمحاولة التأثير قدر الإمكان على طالبان ذاتها، بما يساعد على تكييفها مع الوقائع المقبلة التي سيتواصل فيها انخفاض الوزن الأمريكي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1010
آخر تعديل على الإثنين, 22 آذار/مارس 2021 00:53