«الاقتصادي الأوراسي» وتحويل الأزمات إلى فرص

«الاقتصادي الأوراسي» وتحويل الأزمات إلى فرص

مع مطلع شهر آذار الجاري، كان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي- الذي أنشئ في عام 2014 كمنظمة دولية للتكامل الاقتصادي الإقليمي- قد نما بشكل كبير في الساحة الدولية، وبات يجذب أنظار المزيد من الدول رغم عمره القصير نسبياً. حيث تثير حرية التنقل للسلع والخدمات ورأس المال والعمالة التي تمكنها هذه المنظمة- إلى جانب السياسة المتماسكة والمستقرة التي تؤمّنها في مختلف القطاعات الاقتصادية- اهتماماً متزايداً بالتعاون مع الاتحاد، وبشكلٍ خاص على أرضية العقوبات الجائرة التي يفرضها الغرب على الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية.

حالياً، تمثل أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا الدول الأعضاء في الاتحاد، كما أعلنت كل من تركيا وتونس وسورية رغبتهم في الانضمام، بالإضافة إلى إيران التي تخوض الآن مفاوضات للانضمام للاتحاد. ورغم الاضطرابات السياسية الكبرى التي هزت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد خلال عام 2020، مثل: أرمينيا وبيلاروسيا وقرغيزستان، إلّا أن ذلك لم يؤثر على مستقبل هذه الكتلة الإقليمية التكاملية، وهو ما يمكن ملاحظته في قرارات الرؤساء بالتصديق على إستراتيجية تطوير التكامل الاقتصادي الأوراسي حتى عام 2025، ومنح أوزبكستان وكوبا وضع دول مراقبة في الاتحاد.

الإعداد لسوق مالية مشتركة

حسب تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع العام الجاري خلال اجتماع حول تنفيذ مشاريع التكامل في فضاء الاتحاد الأوراسي، فإن دول الاتحاد وافقت على وجود سوق مالية مشتركة، وهي تعدُّ مفهوماً حول كيفية تطوير سوق مشتركة للطاقة. وسبق أن أُنشئت في معظم قطاعات الاقتصاد أسواق مشتركة بالفعل، وهي تعمل بنجاح، وبشكلٍ خاص إنشاء سوق واحدة لتصنيع الأدوية والمنتجات الطبية وتبادلها، وهو أمر اكتسب أهمية خاصة خلال انتشار فيروس كورونا العام الماضي. وإلى جانب ذلك، أكد الاجتماع الأول لرؤساء دول الاتحاد الذي عقد في أوائل شباط الماضي، أنه في عام 2020 تمكن الاقتصاد المشترك من تجنب السيناريو الأسوأ: فوفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن اللجنة الاقتصادية الأوراسية، انخفض إجمالي الناتج المحلي للدول في الاتحاد خلال عام 2020 بنسبة 3,9% فقط. وفي الوقت نفسه، يُستمد من بيانات الأمم المتحدة أن الانخفاض لدى دول الاتحاد أقل من نظيره لدى الدول المتقدمة بنسبة 5,6%.

ومع ذلك، ركَّز رؤساء الوزراء على الحاجة إلى تدابير حماية إضافية ضد الإجراءات الاقتصادية العدائية التي يتخذها الغربيون، حيث نصّ البيان الختامي على أنه «سيتم تطوير آليات في إطار الاتحاد الأوراسي حول كيفية مواجهة هذه الأعمال غير الودية الموجهة ضد أية دولة في الاتحاد»، وأضاف: «أصبح الاقتصاد في الآونة الأخيرة ساحة معركة لا تقل ضراوة عن العمليات القتالية الحقيقية». ولم يتضح بعد الشكل الذي ستتخذه هذه الآلية، لكن العديد من التحليلات تشير إلى إمكانية تفعيل التدابير الجوابية ضد الدول التي تفرض العقوبات، بما في ذلك التدابير المنصوص عليها في معاهدة إنشاء الاتحاد (رفع الرسوم الجمركية، وتعليق الأفضلية التجارية).

هل تحسم طهران توجهها؟

ساهمت سياسة العقوبات الجائرة التي تبناها الغرب لمصلحة الولايات المتحدة، والنجاحات التي حققها الاتحاد الأوراسي في معارضة هذا السلوك وحماية مصالحه الخاصة، في زيادة عدد الدول التي طلبت قبولها في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ففي الآونة الأخيرة، شرعت إيران في مفاوضات حول الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي. وهي خطوة منطقية جداً من جانب طهران التي تحتاج إلى نوع من المظلات الآمنة، وتوسيع الفرص التجارية والاقتصادية في أعقاب الضغط الذي تمارسه عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ولا يزال من الصعب الحديث عن التوقيت المحدَّد لانضمام إيران إلى الاتحاد الأوراسي، لأن ذلك سيتطلب حل العديد من القضايا: فإلى جانب ضرورة مواءمة بعض القوانين الإيرانية مع تلك الموجودة في دول الاتحاد الأوراسي التي لديها نظام موحد للعبور دون تأشيرة وقواعد مشتركة لتحكم السوق بما في ذلك سوق العمل، ليس سراً أن بعض القوى السياسية الفاعلة الموجودة في إيران ليست مستعدّة تماماً لمثل هذا التوجه، إذ تعوّل على تعاون إستراتيجي محتمل مع الجانب الغربي، رغم وجود قوى جدية في البلاد تدفع في هذا الاتجاه، فاليوم، يدرك الكثيرون في إيران أن العضوية في الاتحاد الأوراسي سوف تكسب البلاد فوائد كبيرة: إلى جانب بعض الضمانات الأمنية وفتح أسواق جديدة، فإن هذا يعني خلق توازن مع سياسة العقوبات التي تنتهجها واشنطن، ومن خلال الحصول على «مظلة» جديدة لم يأخذها الغرب على محمل الجد حتى وقت قريب، سوف تتمكن طهران من التفاوض بشكل أكثر ثقة وقوة مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي.

كما لا يمكن استبعاد أن انضمام إيران إلى الاتحاد الأوراسي قد يساهم في تغيير تمثيل الدول الأخرى جنوب القوقاز في الاتحاد. على سبيل المثال، في وقتٍ كانت فيه أرمينيا حتى الآن البلد الوحيد من هذه المنطقة التي تحظى بعضوية الاتحاد الأوراسي، فإن عضوية إيران قد تساهم في حسم المحادثات طويلة الأمد حول انضمام أذربيجان إلى الاتحاد، والتي قد تؤتي ثمارها الآن، نتيجة تحريك عمليات قبول العضوية. وليس خافياً على أحد، أن انضمام دول أكثر إلى عضوية الاتحاد، ولا سيما الدول التي تتمتع بإمكانات اقتصادية مهمّة، ستزيد ليس من قدرة الاتحاد على لعب الدور المناهض للهيمنة الغربية في كافة المجالات فحسب، بل وكذلك في زيادة حدة الإجراءات الجوابية التي سيتخذها مستقبلاً إزاء أية خطوة تصعيدية غربية تهدد مصالح الدول الأعضاء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1008
آخر تعديل على الجمعة, 12 آذار/مارس 2021 16:30