إيلام الغرب والتأسيس للبدائل... دون ضجيج

إيلام الغرب والتأسيس للبدائل... دون ضجيج

بإمكاننا القول اليوم: إننا نسمع ونشاهد في كل لحظة مظهراً من مظاهر الألم الغربي متجسداً في الهياج والبروباغاندا ضد الخصوم الإستراتيجيين للهيمنة الغربية، لكن ليس من السهل دائماً إدراك ماهية الضربة التي تلقاها بشكلٍ مباشر، وذلك بفضل السياسة التي تعتمدها الدول المناهضة لهذه الهيمنة- روسيا والصين خصوصاً- والمتمثلة بتوجيه أكثر الضربات إيلاماً وعمقاً لأسس السيطرة الغربية دون ضجيجٍ يذكر.

في أكثر من مناسبة، أوضحت الصين وروسيا أنهما تدركان الحقيقة المتمثلة في أن النخب الغربية عازمة بشدة على إغلاق جميع السبل الدبلوماسية الممكنة للتعاون والحوار المشترك، ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لإثبات صحة ذلك، عبر تحريك عدد من الجبهات لإقلاق روسيا والصين، ما عزز التراجع عن أية بقايا أمل في أن تتخذ السياسة الخارجية الأمريكية منحى عاقلاً، وهو ما تجسدت آخر تجلياته في الكمين الذي نصبته وزارة الخارجية الأميركية للصين، حيث حاولت الهجوم العلني والكاذب ضد الصينيين في ألاسكا في 18 آذار.

«ضامنو العدالة في الشؤون الدولية»

لم تكن مفاجئة نتائج الاجتماع الذي عقد في 23 آذار بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والصيني وانغ يي، في منطقة غوانشي زوانغ ذاتية الحكم جنوب الصين، والتي أسفرت عن تجديد البيان المشترك بشأن الحوكمة العالمية. لكن الجديد الذي يظهر للمرة الأولى بهذا الوضوح، دعوة يى إلى توثيق رابطة الأخوة بين البلدين، وأنه يتعين على روسيا والصين «العمل كضامنين للعدالة في الشؤون الدولية»، مشدداً أن «الصين مستعدة لتعزيز النظام الدولي الذي أنشأته الأمم المتحدة، وحماية النظام العالمي القائم على القانون الدولي والالتزام بالقيم العالمية مثل: السلام والتنمية والعدالة والديمقراطية والمساواة والحرية»، وهو فعلياً الترجمة الدبلوماسية لعبارة «دور أكبر للصين وروسيا في الشؤون الدولية».
وعلى هذا الأساس، بدت لافتة التصريحات الصينية والروسية المتكررة حول أن النظام الدولي الوحيد الذي ستلتزم به الدولتان، هو النظام الذي يشمل جميع الدول، وليس النظام القائم على القوة والتدخلات في شؤون الدول.
في موازاة ذلك، هنالك من يجادل اليوم في روسيا والصين، أن هنالك حقائق يتعين كشفها فيما يتعلق بالأمم المتحدة، وهي أنه عند قراءة ميثاق المنظمة، ودراسة المعارك التي خيضت إبان إنشائها، يصبح من الواضح أن روسيا والصين تعرفان بالضبط ما تفعلانه. إذ ينص ميثاق الأمم المتحدة الذي تدافعان عنه بحزم على احترام سيادة الدول كهدف رئيس للمنظمة الدولية، ويمنح أعضاء من مجلس الأمن- بينهم روسيا والصين- من إمكانية استخدام حق الفيتو ضد أي قرارٍ عسكري. وبالإضافة إلى ذلك، ينصُّ الميثاق على تحقيق العدالة الاقتصادية للجميع والمنفعة المتبادلة كأهداف أساسية للمنظمة، إلى جانب العديد من الصيغ العامة الفضفاضة، التي لم تمانع نخب الغرب إدراجها في ميثاق المنظمة لسبب وحيد، وهي أنه لم يخيل لها أنه سيأتي يوم تستطيع فيه بعض الدول الوازنة استخدام بنود هذا الميثاق كأساس في مهاجمة الهيمنة الغربية ونظامها الدولي.

ماذا عن التحرر من هيمنة الدولار؟

أكد اجتماع 23 آذار مجدداً: الالتزامات التي تم التعهد بها في معاهدة «حسن الجوار والتعاون الودي الروسية الصينية» لعام 2001 التي تمضي الذكرى العشرين لتوقيعها هذا الصيف. كما استشهد بالإعلان المشترك لعام 2016 والذي يدمج بقوة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» الذي تقوده روسيا.
وخلال الاجتماع، ناقش الجانبان التحرر الاقتصادي من هيمنة الدولار الأمريكي، والتعاون العلمي والتكنولوجي بوصفه القوة الدافعة للنظام الاقتصادي/ الأمني الجديد، وفيما يتعلق بهذه النقاط، أكد لافروف: «بالإضافة إلى تعزيز التعاون في إطار الأمم المتحدة بهدف الوقف الفوري للإجراءات القسرية أحادية الجانب، يتعيّن على الصين وروسيا أيضاً اغتنام الفرصة لتعزيز ابتكارهما العلمي والتكنولوجي، وتحسين قوتهما الوطنية رداً على العقوبات». وألمح إلى البنية المالية الجديدة الضرورية التي يجب أن ينشئها التحالف متعدد الأقطاب عبر «تشجيع التبادل بالعملات المحلية والدولية الأخرى، التي يمكنها أن تحل محل الدولار الأمريكي، من أجل الابتعاد تدريجياً عن نظام الدفع الخاضع للرقابة الغربية».
وتسلط هذه النقطة الأخيرة الضوء على عملية كانت جارية بالفعل منذ سنوات، حيث بدأت كل من روسيا والصين إدارة أنظمة الدفع الخاصة بها بشكل متزايد خارج نظام سويفت الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، واعتمدتا بدلاً عن ذلك بشكل متزايد على نظام الدفع الروسي الذي تم إنشاؤه في عام 2014، ونظام المدفوعات الدولية الصيني (CIPS). وفي كلمته، أشار لافروف إلى أن الصين أصبحت اليوم أكبر شريك تجاري لروسيا، وبعد اكتمال قوة سيبيريا، ستصبح روسيا المورد رقم واحد للطاقة إلى الصين. واعتباراً من عام 2020، قدرت تجارة البلدين بأكثر من 107 مليارات دولار، وحوالي 25٪ من هذا المجموع حدث بالعملات المحلية، وهذه خطوة كبيرة جداً مقارنة بـ 2% بين عامي 2014- 2016.

المالتوسية مقابل «قوة الابتكار»

في حين لا تزال الحكومات الغربية أسيرة الذهنية المالتوسية الملتزمة أيديولوجيا بالربح، وإن كان ذلك لمصلحة فناء الجنس البشري، يقوم التحالف الصيني الروسي على أرضية إنسانية تفصح عن نفسها في كل لحظة، حيث لا تبني الدولتان سياساتهما على ترهيب الضعفاء، بل على المبادئ الخمسة للتعايش السلمي (احترام حقوق الإنسان، وسيادة جميع الدول ووحدتها، وعدم التدخل في شؤونها، وتسوية المنازعات بالطرق السلمية، وتنمية المصالح المتبادلة والتعاون)، فضلاً عن «قوة الابتكار» التي يعرّفها الصينيون بأنها «التحرر من التفكير الصفري» الذي يعني أنه إذا ضغطت «ندرة الموارد» على إمكانية الحفاظ على حياة الناس، فمن الأفضل التفكير بالابتكار الإبداعي وإطلاق العنان لاكتشافات جديدة تستند إلى التقدم العلمي والتكنولوجي تحسّن حياة الشعوب، بدلاً من خفض عدد السكان للتكيف مع حدود منظومة الربح الأقصى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1012