«الرجاء عدم الإزعاج» قصة إعدام قائد!
جريمة اغتيال القائد العسكري البارز، رجل المهمات الخاصة والاستثنائية في حركة المقاومة الاسلامية «محمود المبحوح»، فتحت سجلات تاريخ الإرهاب الأسود الذي نفذته «الموساد» بحق خيرة مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية. لم تكن عمليات القتل/ الاغتيال الفردي، أو المذابح الجماعية التي ارتكبتها- ومازالت- قوات العدو العسكرية والأمنية الوحشية، أو ميليشيات مستعمريه، التي تنشر الموت والدمار في الأرض الفلسطينية، بعيدة عن الأفكار الصهيونية العنصرية والإقصائية، المغلفة بعقيدة «توراتية» مصنعة في عقول ارهابية، تتوزعها أسماء الحاخامات، والسياسيين، والعسكريين من مختلف طبقات وفئات التجمع الاستعماري.
الرجل المستهدف في عملية الإعدام هذه المرة، لم يكن خارج دائرة «الانتقاء الدقيق». تاريخ القائد «المطلوب» يجعله الرقم الأول في قوائم الاغتيال. إنه من أبرز العناصر التي تشكلت منها الخلية المسلحة الأولى التي حملت الرمز «101» في كتائب عز الدين القسام. فقد قام مع ثلاثة من رفاقه باختطاف العسكريين «آفي سبورتس» في فبراير/ شباط 1988، و«ايلان سعدون» في مايو/ أيار من ذات العام، ثم نفذوا قتلهما واخفاء جثتيهما. وعلى الرغم من حملات التمشيط والبحث المستمرة عليه، فقد تمكن بعد بضعة أشهر من مغادرة القطاع باتجاه مصر. لكن حقد العدو امتد إلى بيت «المبحوح» الذي كان من أوائل البيوت التي هدمها العدو بالقطاع، كترجمة فورية لسياسة العقاب الجماعية لعائلات المقاتلين. ومنذ سنة 1989 و«أبو العبد» يمارس مهماته في مواجهة المحتل، عبر ساحات وبرامج، أفقدت العدو مهاراته، في انجاز اغتياله أو خطفه.
عقدان من الزمن، والقائد «المتخفي»، يعمل على دعم المقاتلين والشعب داخل القطاع بكل عناصر المواجهة والصمود. وهو مادفع بجهاز الاستخبارات الخارجية «الموساد» ليتعقبه في أكثر من دولة ومدينة، وفي بعض الأحيان استطاع أن يفلت من الموت المحقق! وحادثة تسممه قبل بضعة أشهر على يد عملاء الجهاز، التي أدخلته في حالة موت سريري لأكثر من ثلاثين ساعة، شاهدة على ذلك. إن قائداً مهماً يعمل في مركز القرار، ويحرص على تنفيذ المهمات وهو في دائرة الظل، نتيجة ملاحقته المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، كان من الضروري- وهذا مالا يخفى عليه وعلى رفاقه- أن تكون تحركاته بغاية السرية، وضمن الدائرة الضيقة جداً من المسؤولين والمنفذين. كما كان يجب أن تحظى اجتماعاته ومهماته الخارجية بخطة عمل قائمة على «التضليل» عبر التغيير المستمر في مواعيد التحرك والسفر، وحتى في أماكن الاجتماعات والمبيت. إن الساعات القليلة التي فصلت، مابين وصول القائد لمدينة دبي التي كانت محطة عبورعلى طريق سفره لدولة أخرى، وإقامته في فندق «البستان روتانا»، بالغرفة رقم 130، التي وضع القتلة على بابها أثناء تنفيذ جريمتهم، لوحة «الرجاء عدم الإزعاج» ثم العثور على جثته بعد ذلك، وهي تحمل آثار الصعق الكهربائي، وحقن الابر، والخنق، أظهرت أن متابعة هذا المسؤول قد تمت منذ أن هبطت طائرته بالمطار. وفي هذا الجانب، فإن مناقشة نوعية الجواز الذي استعمله، والاسم الذي استخدمه، تأتي كمحاولة للهروب من مناقشة، القضية الأهم، وهي أن محمود المبحوح القائد القسامي هو المطلوب، وأن أجهزة الاستخبارات الصهيونية على معرفة أكيدة بالرجل/ الهدف وتحركاته.
إن أهمية انجاز العملية لجهاز الاستخبارات، وبالتالي لحكومة العدو، دفعت بالأخيرة لعدم مراعاة طبيعة العلاقات والمصالح التي تربط دولة الامارات، وكيان العدو. هذه الدولة التي استقبلت قبل أسبوعين تقريباً، الوزير المجرم «عوزي لانداو»- المسؤول في تجمع القتلة والمجرمين «إسرائيل بيتنا» الذي يترأسه «أفيغدور ليبرمان»- تحت يافطة المشاركة في مؤتمر دولي حول البيئة. كما فتحت هذه الدولة أراضيها قبل أشهر عدة، لوفد صهيوني شارك في مؤتمر آخر. وليس سراً الحديث عن وجود العديد من الشركات والمكاتب التجارية، التي يترأسها أو يمتلكها يهود صهاينة، يحملون الجنسيات المزدوجة، وبعضهم كان على رأس وحدات عسكرية وأمنية داخل الكيان الصهيوني. وبالإمكان العودة لبعض أعداد صحيفة «هآرتس» في أعوام سابقة للاطلاع على الدور المتعاظم لتلك الشخصيات في نشاطات اقتصادية وتدريبية متعددة داخل الدولة «العدد الصادر في 19/9/2008 مثلاً».
لقد عكست تصريحات المسؤول الأمني في دبي درجة الإرباك التي عاشتها حكومة الدولة. فما بين «العصابة الإجرامية، واحتمالات أن يكون الموساد» الطرف المنفذ للعملية الإجرامية، اختفى التحديد الصريح بتسمية جهاز الاستخبارات الخارجية، وحكومة العدو، وتحميلهم بالتالي مسؤولية العبث بأمن الدولة. إن الإعلان عن عدد منفذي الجريمة، والتعرف على جنسياتهم وأسمائهم، يلقي على دولة الامارات مسؤولية المتابعة الدؤوبة للتوصل للجناة، وإعلان الحقيقة.
إن الجريمة الجديدة، تأتي كحلقة في سلسلة الاستهداف للمقاومة الفلسطينية، ولقادتها الميدانيين، وقد حملت تصريحات قادة العدو أكثر من إشارة في هذا المجال. رئيس الأركان الأسبق في جيش العدو الجنرال «أمنون شاحاك» تحدث للإذاعة الرسمية يوم الاثنين 11/1/2010، قائلاً (لايمكن لـ«إسرائيل» انتظار سياسة التصعيد التي تقوم بها التنظيمات الفلسطينية، يجب توجيه ضربات ساحقة، وتصفية قياداتها ومخازن السلاح، وعدم انتظار تنفيذ عملية كبرى)، مضيفاً (يجب استهداف قيادات مؤثرة في حماس وبقية التنظيمات الفلسطينية حتى لا نصل الى المواجهة الكبرى والدخول الى قطاع غزة). لم يحمل الخطاب الدموي الاجرامي أي جديد، بمقدار ماأعاد التأكيد على برنامج العمل الصهيوني الميداني.
أمام التحديات التي تستهدف المقاومة، وعلى وقع طبول التهديدات والتصفيات، أصبح من الضروري رفع درجة الاحتياطات الأمنية، والتعامل بجدية مع المواقع المفتوحة، والأذرع الطويلة لجهاز «الموساد» . فالصراع طويل، والمعركة مع العدو، تتطلب الحفاظ على أمن وسلامة القيادات والكوادر من خلال خطة عمل أمنية تستفيد من كل التجارب السابقة، التي سقط فيها عشرات القادة في مصائد، نصبها العدو في أكثر من مدينة. فاليقظة والحذر شرطان متلازمان في معركة المواجهة المفتوحة مع الصهيونية وعملائها في أكثر من مكان.