محمد العبد الله
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تتسارع خطوات العديد من المسؤولين الفلسطينيين نحو طاولات الحوار التي تتم الدعوة إليها بناء على خطة «التسويف الزمني» التي يتقنها قادة العدو، وبالأخص الحكومة الحالية بقيادة أولمرت. ولهذا شهدت الأشهر الأخيرة عدة اجتماعات نصف شهرية، لم يَرْشَحْ عن نتائجها، سوى عدة بيانات صحفية، تعيد استنساخ ماذكره البيان الأول عن اللقاء الأول، مع إدخال تعابير منتقاة بدقة عن «أفق الحل» و«إطار الحل». إنها وبالتعبير الشعبي «طبخة حصى»، باستثناء «الطبخة الدسمة» التي تناولها اولمرت من يدي زوجة صائب عريقات في اجتماعات أريحا بين الوفدين قبل عدة أسابيع، تتكرر الوعود ذاتها في كل البيانات عن إمكانية إطلاق عدد محدود من الأسرى، وآخر هذه «المَكْرُمات» مايتردد عن إطلاق 90 معتقلاً، معظمهم من حركة فتح أوشكت فترة محكوميتهم على الانتهاء، من أصل 11500 أسير يقبعون داخل زنازين الموت البطيء في سجون الاحتلال. وهذا ماذهب اليه الكاتب جدعون ليفي في مقالته المنشورة بصحيفة «هآرتس» (الإسرائيلية) يوم 23 من هذا الشهر تحت عنوان «القائد الدمية» أثناء تعليقه على اجتماعات أولمرت/عباس وتوقعاته حول لقاء بوش الخريفي (حتى اجتماعاته مع ايهود أولمرت أصبحت شيئاً فشيئاً تتطور إلى عار، وأصبحت إذلالا لشعبه. لن ينتج عنها شيء مفيد. لقد أصبح من المستحيل أن يتحمل إنسان منظر "الزعيم" الفلسطيني في زياراته المرحة إلى القدس وهو يقبل وجنتي زوجة رئيس الوزراء ذاته الذي يهدد بحصار شعبه).
جاءت النتائج المعلنة للزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس السلطة محمود عباس لواشنطن قبل أسبوع تقريبا، تلبية للدعوة التي وجهها له جورج بوش، لتشير إلى ظهور تعبير جديد طرحه الرئيس الأمريكي أثناء كلامه عن الدولة الفلسطينية الموعودة. فالحديث الأمريكي عن وجود تعريف جديد لرؤية بوش للدولة الفلسطينية، يحمل مخاطر جديدة تضاف للتعريف «الكارثي» الذي أعلنه بوش في أواسط ابريل عام 2004 في رسالة الضمانات التي سلمها لرئيس حكومة العدو شارون. خاصة وأن ماصدر عن أركان قيادة سلطة رام الله المحتلة، المراهنين على دور «الراعي الأمريكي»، قد أعطى الانطباعات، والاستنتاجات تالياً، عن وجود مطالب أمريكية جديدة لخفض السقف السياسي لوفد السلطة، الذي تتدنَّى مطالبه مع كل لقاء مع الأمريكيين، أو أعضاء حكومة العدو. محمود عباس تحدث في أعقاب اللقاء قائلاً (بصراحة، حتى الآن لم يتحقق شيء) معرباً عن (خيبة أمله، لأن الإدارة الأمريكية لا تمارس أي ضغط على إسرائيل لوقف نشاطاتها الاستيطانية). وهذا ماأكدته وكالة الاسوشيتدبرس عندما نقلت عن أحد مساعديه انه خرج «مستاء» من لقائه مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وهو ماتوضح في حديث عباس للوكالة في ختام زيارته الأخيرة لواشنطن (إن الأمريكان لم يقدموا أية مقترحات جديدة، وانه لم يتم إحراز أي تقدم في أي من القضايا الجوهرية) مضيفاً (إن كل الملفات ما زالت مفتوحة ولم يتم الانتهاء من أي واحد منها... لقد طالبناهم أن يتحدثوا عن حدود عام 1967 لكن- أياً من المسؤولين الأمريكيين الذين التقاهم- لا يتحدث عن حدود 1967). لكن هذه الحدود ستكون قابلة للتعديل وبموافقة من عباس، بحسب تصريحات جديدة- بعد بضع ساعات على مغادرته واشنطن- لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية. إذ أكد على (أنه لا يستبعد مبدأ تبادل الأراضي في حدود خفيفة على الجانبين... هذه النسبة يجب أن تكون في أضيق نطاق).
اجتاز الفلسطينيون عاماً جديداً من عمر انتفاضتهم المجيدة، انتفاضة الأقصى، والتي أضاف لها البعض منهم كلمة الإستقلال، لتصبح انتفاضة الأقصى والاستقلال. فهل تحققت عروبة الأقصى، وهل اقتربنا من الاستقلال؟ أم أننا مازلنا نتعثر في «رحلة الألف ميل» الذي بدأت خطواتنا الأولى على طريقه منذ عقود عدة. لقد اندفع الشعب الفلسطيني في مقاومته المتجددة يوم 29/9/2000 للتأكيد على رفضه كل محاولات تهميشه و«الإنابة عنه» في رسم مستقبله، كرد على قمة «كامب ديفيد»، وكتحرك مباشر في مواجهة أعدائه، في «انتفاضة ثانية» داخل أراضيه المحتلة ليواجه بالحجر أولاً، وبالرصاص والاستشهاديين ثانياً، الحملات العسكرية الوحشية الصهيونية التي استهدفت سحق معنوياته قبل سحق عظامه وبيوته، وكان بهذا الحراك المقاوم، سلماً وعنفاً، يسعى لإضافة بعض الانتصارات على طريق التحرر والاستقلال. وقَدَّمَ الفلسطينيون في تحركهم الجديد، خمسة آلاف شهيد، وفي المقدمة منهم: أحمد ياسين، أبو علي مصطفى، ياسر عرفات، عبد العزيز الرنتيسي، والمئات من الصفوف الأولى والثانية، الناشطة ميدانياً، من حركة الجهاد الاسلامي وغيرها من منظمات المقاومة. كما أضيف لهذا الرقم حوالي اثنان وثلاثون ألف جريح، يعاني أكثر من ألف وأربعمائة منهم إعاقات دائمة، كما تعرض أكثر من ستين ألف مواطن، وقرابة سبعمائة مواطنة، وأكثر من ستة آلاف طفل للاعتقال، استشهد منهم داخل زنازين التعذيب والعزل، ثمان وستون أسيراً. وللآن مازال حوالي اثنا عشر ألفاً من المعتقلين الأبطال يعانون خلف قضبان السجن. هذا الوضع ارتبط بتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الناتجة عن الانهيار الاقتصادي الذي سببته سنوات طويلة من الحصار والتدمير لمراكز الانتاج، والتجريف المنهجي للأراضي الزراعية، واقتلاع الأشجار المثمرة.
مع الساعات الأولى لفجر يوم الإثنين الفائت، وعلى امتداد خمس ساعات، خاض الأسرى البواسل في معتقل النقب الصحراوي «كتسيعوت» المعروف فلسطينياً بمعتقل «أنصار 3»، معركة الدفاع عن حقوقهم الإنسانية المكتسبة، التي استطاعوا الحصول عليها بعد جولات متعددة من الإضرابات والمواجهات، خاصة، الاتفاق الذي أبرموه مع إدارة السجون والقاضي بـ«عدم اقتحام خيام وغرف الأسرى في ساعات نومهم الليلية»، فقد واجهوا بصدورهم العارية إلا ّ من الإيمان بعدالة قضيتهم، عمليات التفتيش والتنكيل الوحشية التي أقدمت عليها وحدات القمع الخاصة «نخشون» و«متسادا» بصمود أسطوري. بعدما لجأت قوات العدو الدموية لاستخدام الهراوات وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع وطلقات «الدمدم» المحرم دولياً، والمطاط المغطى برذاذ الفلفل الذي يحدث حروقاً وتقرحات في أجسادهم، أثناء اقتحامها القسم "ج1" و "ج2" الذي يتواجد فيه حوالي ألف أسير، مما أدى إلى تحطيم المقتنيات الشخصية للأسرى، وإتلاف خيمهم وحرقها. وقد نتج عن ذلك تضامن باقي المعتقلين في كل أقسام السجن الصحراوي الرهيب الذي يضم 2300 أسير، مما دفع بإدارة السجن للتراجع عن حملتها، بسبب وحدة المعتقلين وصمودهم في المواجهة العنيفة التي أدت لإصابة 252 أسيراً، تم نقل تسعة منهم نتيجة إصاباتهم الخطيرة إلى مستشفى «سوروكا» في مدينة بئر السبع المحتلة منذ عام 1948، كما أصيب خمسة عشر من حراس السجن الصهاينة.
انقضى عام وأسبوع على آخر عملية استشهادية شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، في مدينة أم الرشراش «إيلات» يوم 29 /1 /2007. المفاجأة الجديدة لقادة الكيان الصهيوني من عسكريين وسياسيين، كانت في المكان المستهدف هذه المرة، مدينة «ديمونا» مركز المفاعل النووي الصهيوني، المُقفَلة عسكرياًً، والمراقبة أمنياً.
لم تمض سوى ساعات قليلة على كلمات محمود عباس التي نطق بها في حضرة كوندوليزا رايس أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعهما بعد محادثاتهما قبل أيام في مدينة رام الله المحتلة، والتي طالب فيها «إسرائيل» (بتنفيذ التزاماتها ضمن خارطة الطريق وفي مقدمتها: تجميد الاستيطان، وإزالة الحواجز، وتسهيل التنقل)؛ حتى أكد بذات الوقت على (تعهده بمواصلة التزامات السلطة، وفي مقدمتها مصادرة الأسلحة من فصائل المقاومة). لم ينتظر الطرف الفلسطيني تنفيذ التزامات حكومة العدو بخطوات الخارطة الأولى، بل باشر تنفيذ تعهداته - لأنه يعرف تماماً أن انتظاره سيطول إلى مالانهاية من خلال أوامره لقوات الأمن التابعة لحكومة فياض التي دخلت مدينة نابلس المحتلة قبل أقل من أسبوع والتي بلغ تعدادها 308 عنصر، نتيجة الاتفاقات الأمنية التي يقوم على رعايتها ومتابعتها الجنرال الأمريكي دايتون- بمصادرة سلاح أحد المقاتلين «المطلوبين للعدو» على مداخل مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس المحتلة، مما أدى لحصول اشتباكات مسلحة مع المجموعة الفدائية المستهدفة التابعة لكتائب شهداء الأقصى، الذراع المسلح لحركة فتح، والتي رفضت كل الدعوات (المستهجنة والخطيرة والمتساوقة مع مخططات الاحتلال الهادفة نزع سلاح مجموعات المقاومة التي تدافع عن الشعب والأرض في مواجهة الغزاة).
استقبل الفلسطينيون عامهم الجديد، بنفس المشاعر والطقوس التي ودعوا بها عامهم المنصرم، فالدماء والدموع والإرادة الفولاذية على الصمود والمواجهة في مواجهة خطة الموت الجماعي التي تمارسها حكومة العدو الصهيوني، كانت الإطار الذي اعتاد الفلسطينيون على ممارسة حياتهم ضمنه في الضفة والقطاع. فالمجازر الوحشية اليومية حصدت خلال الأسابيع القليلة التي أعقبت انفضاض كرنفال «أنا بوليس» أكثر من مائة وعشرة شهداء، بالإضافة إلى المئات من الجرحى في عمليات تتراوح في أبعادها مابين التوغلات المتنقلة، والاجتياحات المحدودة، مترافقة مع الحصار الخانق الذي أودى بحياة أكثر من خمسين مريضاً كانوا بحاجة للعلاج خارج القطاع، وكل ذلك يأتي ضمن سياسة «الموت الفردي» التي يحرص قادة العدو ألا تستنفر في آثارها المشاعر «الغافية» للرأي العام الدولي!
اثنان وثلاثون عاماً مرت على انتفاضة جماهير الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948. في يوم السبت، الثلاثين من شهر آذار من العام 1967، موعد التمرد الجماعي على إجراءات القمع والتمييز العنصري والتهميش ومصادرة الأراضي وهدم القرى، والحرمان من أية فرصة للتعبير والتنظيم في ظل أحكام حظر التجوال والتنقل. كانت شرارة التفجير المباشرة، قيام سلطات الاحتلال بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرابة البطوف وسخنين ودير حنا وعرب السواعد، وغيرها، لوضعها في مخططات بناء المستعمرات الجديدة، ضمن سياسة «تهويد الجليل». في هذا اليوم المجيد، تحرك الآلاف في هبة جماهيرية غاضبة، سقط خلالها ستة شهداء، والعشرات من الجرحى، في انتفاضة شاملة، عكست درجة الاحتقان والغضب الواسع.
المفاجأة التي أحدثها رياض منصور رئيس بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة يوم السابع من الشهر الجاري لم تكن الأولى له، فقد اتخذ قبل ثلاثة أشهر تقريباً، موقفاً غريباً لفت إليه أنظار كل المهتمين بقضايا الصراع العربي/الصهيوني، حين وقف ضد القرار الذي قدمته دولتا قطر وإندونيسيا إلى مجلس الأمن الدولي، المتضمن (اعتبار قطاع غزة منطقة منكوبة إنسانياً وتستحق المساعدة بسبب الحصار الإسرائيلي). القنبلة الجديدة التي فجرها مندوب سلطة الحكم الذاتي مؤخراً، انعكس صداها في الفضاء السياسي العربي والدولي، وتأثر بها سلبياً مندوبو الدول العربية في الهيئة العالمية، الذين عبّر العديد منهم عن استيائه الشديد لخروج المندوب الفلسطيني عن الأسس التي تحكم تحركهم المشترك، فيما يتعلق بالمبادرات «مشاريع القرارات» التي يقوم بتقديمها أحد المندوبين العرب إلى وفود الدول المشاركة، إذ تتم دراستها ومناقشتها والتوافق حولها داخل المجموعة العربية أولاً، ثم يتم طرحها على الآخرين.
قبل عودة المدعوين، شهود كرنفال (أنابوليس) إلى دولهم، انقشع غبار المبارزات اللغوية الفاقعة بدلالاتها الواضحة التي أطلقها أبرز المتحدثين «بوش، اولمرت، عباس» والذين وصفهم «ايتان هابر» رئيس ديوان إسحاق رابين سابقاً، في أحد أعداد صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أيام: «ثلاثة زعماء منتوفي الريش مصابين بجراح المعارك ومتعبين، وقفوا على منصة الخطباء راغبين (جداً) في الوصول بهذه الحكاية الدموية إلى خاتمتها السعيدة، ولكنهم لا يستطيعون على ما يبدو. بوش، عالق في العراق مع أربعة آلاف قتيل، وسيدخل التاريخ الأمريكي كرئيس متعثّر فوضوي. أبو مازن، يعيش (على الأقل في منصبه كرئيس) على الزمن المستقطع، حيث يمتلك خصومه من حماس بيدهم القوة الحقيقية. أما أيهود خاصتنا، أيهود أولمرت، فما زال يعاني من متلازمة لبنان ومرض فينوغراد، ويتمتع بدعم شعبي قليل».