يهودية الكيان... انكشاف زيف «الدولة الديمقراطية»

تتصاعد لغة الخطاب السياسي/الإعلامي الاستفزازي والعدواني لقادة كيان العدو مع كل يوم يقترب فيه موعد اللقاء/الاجتماع الذي دعا إليه بوش في الأيام القادمة في أنابولس. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة عدة خطوات على طريق التصعيد الإعلامي/الاجرائي في أكثر من مجال. فقد صادق أعضاء الكنيست بالقراءة التمهيدية وبأغلبية كبيرة على مشروع القانون الجديد الذي يشترط موافقة أكثر من 80 عضواً بدلاً من 61 لإحداث أي تغيير على وضعية القدس كـ«عاصمة أبدية» للكيان، حسب التعبير الاحتلالي الذي تحرص على تعميمه الماكينة الإعلامية المعادية. المفاجأة الأكثر صخباً واستفزازاً، كانت التصريحات التي رددها أولمرت في أكثر من مناسبة عبر إملاءات جديدة، وضعها لاستمرار المفاوضات مع سلطة الحكم الذاتي. فقد أعلن حسب ماذكرت صحيفة «هآرتس» الصهيونية (إننا لن ندخل في أية مفاوضات حول وجودنا كدولة يهودية، هذا منطلق لكل المفاوضات القادمة... كل من لايعترف بذلك لايمكنه التفاوض معنا).

جاء موقف رئيس حكومة العدو مستنداً إلى التفاهمات والتوافقات داخل مطبخه الحكومي المُقرر، مع وزير الحرب باراك ووزيرة الخارجية، رئيسة الوفد المفاوض تسيبي ليفني، ومنسجماً مع توجهات الأحزاب والكتل الصهيونية الأخرى «شاس وإسرائيل بيتنا والليكود والمفدال» التي تؤكد في كل مواقفها على إعطاء الجهد الأكبر لتأكيد يهودية الدولة على «ديمقراطيتها» المزعومة. إن ماتحمله دلالات الموقف الجديد - ضرورة اعتراف العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون بـ«اسرائيل» دولة يهودية- يشكل نقلة نوعية في اشتراطات دولة العدو، بعد أن اطمأن الصهاينة إلى أن غالبية الحكومات العربية قد تجاوزت بشكل أو بآخر عقبة «الاعتراف بحق الكيان في الوجود»، من خلال التطبيع السياسي/الدبلوماسي أو الاقتصادي المباشر أو المتخفي تحت أشكال أخرى، مما سينعكس على العديد من أوجه الصراع مع الكيان، بهدف تحقيق أهداف عدة، منها:
* رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948، حسب القرار 194 الصادر عن المنظمة الدولية، لأن الكيان الصهيوني أصبح «دولة اليهود فقط»، مما يقود بالضرورة إلى تأكيد ماتعلنه حكومة العدو دائماً، بأن عودة أي لاجىء ستكون إلى أراضي «الدولة» الفلسطينية العتيدة.
* موافقة العرب، والفلسطينيون في مقدمتهم، على الاعتراف بأن دولة العدو لايعيش على أرضها سوى اليهود، مما سيؤدي إلى نزع صفة «المواطنة»- التي كانت شكلية، لكونها ناقصة ومجتزأة- عن أبناء الأرض الأصليين «عرب 48»، وهو مايشير إلى خطط مبيتة تقضي بإطلاق عملية «ترانسفير» جديدة لطرد أبناء البلد الذين تجاوز عددهم المليون وربع المليون نسمة.
* إعادة تنشيط عمليات الهجرة اليهودية نحو الكيان الصهيوني، لأن الموافقة على إقامة اليهود فقط على الأراضي المحتلة منذ عام 48 ستدفع بكل أتباع الديانة اليهودية في العالم إلى التوجه لمجتمعهم الخاص، النقي تماماً، ليصبح بالتالي أحد أبرز تجليات المجتمعات المنغلقة على ذاتها دينياً. إنها وبالتحديد دولة «الغيتو» بامتياز.
إن ماتسعى إليه حكومة العدو، يستند في العديد من احتمالات تحقيقه على موقف إدارة بوش المساندة والداعمة بدون حدود للكيان. وهنا لابد من الإشارة إلى أن بوش كان قد تحدث أثناء مؤتمر «العقبة» عام 2003 عن الدولة اليهودية قائلاً (إن دولة ديمقراطية فلسطينية توجد في سلام كامل مع «اسرائيل» ستحقق أمن واستقرار دولة «إسرائيل» كدولة يهودية). كما أن المواقف الأخيرة لحكومة فرنسا المؤيدة لدولة العدو، قد تطابقت مع التوجهات الصهيوأمريكية بهذا المجال. فقد أكد ساركوزي مؤخراً على (أن دولة «اسرائيل» هي دولة قومية للشعب اليهودي).
جاءت الردود العنيفة في مواجهة هذا التحول لدى قادة الكيان في تعريف «دولتهم» من القوى السياسية الفلسطينية داخل أراضي 48. فقد أعلنت سكرتاريا لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية موقفاً رافضاً، ستعبر عنه بوضوح كامل الوثيقة التي ستصدر خلال الأيام المقبلة كما صرح بذلك «جمال زحالقة» أحد قادة التجمع الوطني الديمقراطي والنائب العربي في «الكنيست»، الذي أضاف (إن موقفنا المبدئي هو الرفض الدائم لهذا التعريف). كما أعلنت قوى المقاومة الفلسطينية عن رفضها الشديد لتصريحات قادة حكومة العدو، بل ذهب البعض منها إلى المطالبة بوقف كل أشكال اللقاءات المشتركة مع العدو، والإعلان عن موقف واضح يرفض الذهاب للقاء أنابولس تحت ضغط الاملاءات، والوعود الخلبية التي لاتعدو في حال تحقيقها سوى رشاوى مهينة. حتى أن صائب عريقات أحد أعضاء وفد المفاوضات سارع إلى رفض المطلب/الإملاء الجديد قائلاً (إنه لاتوجد دولة في العالم تستند في هويتها الوطنية إلى دينها). كما أن بعض الأصوات اليهودية المحتجة على القرار بدأت تعلن عن نفسها داخل الكيان.
تصريحات رئيس حكومة العدو المتعاقبة خلال الأيام القليلة الماضية أشارت أيضاً إلى مسألة المستعمرات المنتشرة كالسرطان في الأرض الفلسطينية، فقد توقف المراقبون عند ماتحدث به أولمرت أثناء اجتماعه مع رؤساء المجلس الاستيطاني «يشع» (إننا سنضطر لتقديم «تنازلات» للفلسطينيين لضمان مستقبل «إسرائيل» كدولة يهودية... أعلم أن هذه التنازلات ستحطم قلوب المستوطنين الذين كنت أحدهم... لكن هناك مستوطنات وأماكن لايمكن التنازل عنها والتفريط بها). إنها العودة للعبارات التلفيقية والمضللة التي يحرص على ترديدها قادة العدو. فالتنازلات ستكون عن بضع بؤر عشوائية متناثرة، أما الكتل الكبرى فلن يمسها أحد. لكن أخطر ماذكره أولمرت في اللقاء قوله (من دون شك، كل حبة تراب من الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر هي جزء لايتجزأ من أرض «إسرائيل»). وفي هذا الإستفزاز المباشر لكل أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، ولكل أحرار العالم تتكشف حقيقة النوايا والمخططات التوسعية الإحتلالية الصهيونية. إن شعبنا وأمتنا تدرك بأن كل ذرة تراب من أرض فلسطين من البحر إلى النهر هي أرض عربية، وستعود لأبنائها مهما طال الزمن.