الأرض بتتكلِّم عربي!
اثنان وثلاثون عاماً مرت على انتفاضة جماهير الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948. في يوم السبت، الثلاثين من شهر آذار من العام 1967، موعد التمرد الجماعي على إجراءات القمع والتمييز العنصري والتهميش ومصادرة الأراضي وهدم القرى، والحرمان من أية فرصة للتعبير والتنظيم في ظل أحكام حظر التجوال والتنقل. كانت شرارة التفجير المباشرة، قيام سلطات الاحتلال بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرابة البطوف وسخنين ودير حنا وعرب السواعد، وغيرها، لوضعها في مخططات بناء المستعمرات الجديدة، ضمن سياسة «تهويد الجليل». في هذا اليوم المجيد، تحرك الآلاف في هبة جماهيرية غاضبة، سقط خلالها ستة شهداء، والعشرات من الجرحى، في انتفاضة شاملة، عكست درجة الاحتقان والغضب الواسع.
جاء إحياء عروبة الأرض هذه السنة، بتحركات واسعة شهدتها البلدات والتجمعات العربية الفلسطينية في عموم الأرض المحتلة منذ عام 1948، في قلنسوة وأم الفحم والنقب وسخنين ودير حنا وعرابة وداخل الجامعات. وقد كانت مظاهرة عرب مدينة يافا الساحلية، استثنائية في حدوثها ومطالبها. فقد سار أكثر من خمسة آلاف مواطن عربي تحت العلم الفلسطيني وهم يرددون (نريد أن نعيش في وطننا بكرامة). السلطات الصهيونية الحاكمة بدأت بالتركيز على تهجير أهل يافا وسلب ما تبقى من أراضيهم، وفي هذا السياق، نشرت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان تقريراً عن المدينة يشير (إلى 497 أمر إخلاء تلقتها عائلات فلسطينية تسكن في حي العجمي في مدينة يافا خلال السنة والنصف الأخيرة، لإخلاء بيوتهم أو مصالحهم. وتراوحت الذريعة بين تجاوز أو إضافة بناء للعقار، نفذتها العائلات الفلسطينية- حسب ادعاءات «عميدار»، شركة الإسكان الصهيونية- دون تصريح ودون الحصول على ترخيص من سلطات التنظيم والبناء.
من وجهة نظر المواطنين العرب، أصحاب العقارات والأراضي، ثمة تهديد فوري على وجود السكان الفلسطينيين في يافا، وإصدار أوامر الإخلاء هذه ليست سوى جزء من خطة فوقية شاملة للسلطات لتهويد يافا، بحجة خرق القانون. وهو ما يتأكد هذه الأيام في الإجراءات السياسية الهادفة لتقليص الوجود الفلسطيني في يافا، من خلال تنفيذ طرد جماعي «ترانسفير» عام لهم، ضمن خطة التطهير العرقي للفلسطينيين، الذي بدأت الحركة الصهيونية بتنفيذه منذ عقود، ومازالت مستمرة فيه للآن.
هجمة بناء المستعمرات المتجددة، لاتقتصر على الضفة الفلسطينية ومدينة القدس فقط، بل تطال كل مناطق الجليل والمثلث، عبر سياسة التضييق الشامل على القرى والبلدات العربية، لتنفيذ «أكثر نسبة عرب على أقل مساحة أرض». فالأراضي الفلسطينية تتعرض للمصادرة الدائمة، في الوقت الذي يتزايد فيه أصحاب الأرض الأصليون. نسبة العرب داخل الكيان هي ثماني عشرة في المائة، لكنهم يملكون اثنين ونصف بالمائة فقط من مجموع الأراضي. إذ تضاعف عدد الفلسطينيين منذ الاحتلال وإقامة الكيان عام 1948، ثمانية أضعاف، في الوقت ذاته الذي قلت نسبة الأراضي التي يملكونها إلى النصف. فحكومات العدو المتعاقبة أقامت أكثر من ستمائة بلدة ومدينة للمحتلين الصهاينة على أنقاض خمسمائة وعشرين قرية فلسطينية.
لقد توقف المراقبون عند دلالات الخطابات السياسية التي ألقاها قادة العمل السياسي والجماهيري في العديد من المهرجانات. في أم الفحم تحدث هاشم محاميد (بأن جميع أيام السنة بمثابة يوم الأرض ومعركة الدفاع عن وجودنا ومسكننا وأرضنا، هناك مؤامرات لقلع الشجر والحجر والإنسان العربي وسلب ما تبقى من أراضينا وتحويلها للمهاجرين الجدد. وأضاف (يتحدثون عن تبادل سكاني وترانسفير لأهالي المثلث، ولكن نقول لهم بأننا سنتصدى وبالقوة لكل من يحاول طردنا ولن نتوسل لأحد، فمن يستعمل القوة ضدنا، سنواجهه بالمثل). كما أشار جمال زحالقة أحد قادة التجمع الوطني الديمقراطي إلى دروس يوم الأرض بقوله (معركة يوم الأرض لم تكن دفاعاً عن الأرض فحسب بل أيضاً من أجل المحافظة على الهوية الوطنية). مضيفاً (تأثير يوم الأرض في النفوس كان أكثر بكثير من تأثيره على الأرض حيث ألهمت الهبة المجيدة جيلاً بكامله وساهمت في صياغة شخصيته الوطنية وكانت له بصمات واضحة على مسيرة الحركة الوطنية في الداخل. وقضية الأرض ليست قضية ممتلكات فحسب بل هي قضية وجود وهي معركة مفتوحة بيننا وبين الحركة الصهيونية). وكان اللافت للنظر مشاركة أحمد غنيم، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، والذي ألقى كلمة طالب فيها بالعمل على كسر الحصار عن الأهل في قطاع غزة ودعم المبادرة اليمنية لرأب الصدع الفلسطيني. (الأرض هي اسمنا الواحد وهي هويتنا، فهي توحدنا جميعاً، وعليها سنبقى وإن كره الغاصبون). وأضاف (لوجودكم هنا معنى آخر، هو الصمود الأسطوري، وفلسطين ستبقى على هذه الأرض، من هنا أتوجه لجماهير شعبنا لكسر الحصار المفروض على أهلنا في غزة، وأقول للزوار الجدد في مجلس الوزراء الفلسطيني، بأننا لسنا جزءاً من سياسة الحصار، وليتراجع من يعتقد بأن الحامي لهم في البيت الأبيض سيبقى لهم طويلاً).
المهرجان المركزي الذي اختتمت فيه النشاطات كان في عرابة. الآلاف تجمعوا- كان الحضور الشبابي واضحاً- وهم يرددون الهتافات المنددة بالسياسات الحكومية الفاشية، ووجهوا من الجليل والنقب والمثلث، التحية إلى أبناء شعبهم وأمتهم (من عرابة لغزة، اهتزي ياأرضي اهتزي) و(من عرابة لبيروت شعب واحد ما بموت).
في يوم الأرض الفلسطينية والعربية، نستلهم الدروس والعِبر من شعبنا داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948، المتمسك بعروبة أرضه، القادر على ابتداع كل أشكال النضال والمجابهة ضد المحتل، والمتوحد مع نضال الجماهير الفلسطينية والعربية في كل المواقع والمناطق، التي تواجه بالمقاومة والصمود، الهجمة الأمريكية/الصهيونية.