متى وكيف نضم عمال القطاع الخاص إلى النقابات (2)
تناولنا في العدد الماضي بمادة تحت عنوان «متى وكيف نضم عمال القطاع الخاص إلى النقابات» بعض الأسباب الرئيسة التي أدت لعدم نجاح التنظيم النقابي باستقطاب وضم عمال القطاع الخاص بشقيه المنظم وغير المنظم للجسم النقابي، رغم أن عمال القطاع الخاص هم «أم الصبي» كما يقال، كونهم أسسوا النواة الأولى للحركة النقابية والنقابات. سنحاول في هذه المادة الانتقال من التفسير للتغيير عبر تشكيل ملامح رؤية قابلة للتطبيق في الواقع لأنها ابنة الواقع بامتياز، وليست مجرد أفكار وتنظير أو أمانٍ وتبرير. وكل منخرط أو مطلع على سوق العمل في القطاع الخاص سيتلمس ذلك ببساطة، في حين سيعجز القابعون وراء مكاتبهم أو في مراكز السلطة عن فهمه ولن يروا أبعد من أطراف كراسيهم العزيزة.
انطلاقاً من الهدف الموضوع ألا وهو استقطاب وضم وتمثيل عمال القطاع الخاص، فإننا لا نستطيع تحقيق ذلك دون فهمه انطلاقاً من الدور والمسؤولية. وهذا تحديداً يحتاج لإعادة تأسيس وتحديد وجعله بوصلة ومقياس نجاح أو فشل. فالتنظيم النقابي تاه عن دوره منذ زمن بعيد وتخلى عن مسؤولياته، ففقد وزنه الطبقي والسياسي والمجتمعي. فما معنى أن تكون تنظيماً يمثل أوسع طبقة اجتماعية ثم تتخلى عن هذا التمثيل حتى تصبح مؤسسة بيروقراطية منزوعة الدسم، جوهر عملها جمع الاشتراكات المالية وصرف إعانات صندوق المساعدة الاجتماعية وغيرها من الميزات الشحيحة؟ إذاً، بشكل عام لا بد بداية من وضع هدف استعادة الدور على قائمة الأهداف، والذي لن يتحقق إلا من خلال العمل على الأهداف الأخرى مجتمعة، كاستقلالية المنظمة وإنهاء عهد الوصاية والهيمنة، والقضاء على روح المادة الثامنة التي ما زالت سارية المفعول وإن بأشكال مختلفة، ورص صفوف التنظيم الحالي من خلال استعادة الديمقراطية عبر صناديق وقوائم انتخابية حقيقية تؤمن للعمال حقهم في اختيار من يعبر عن برنامجهم الذي يرونه مناسباً، والانخراط الحقيقي بالهيئات العمالية بأسفل الهرم التنظيمي، والعمل بين العمال ليلاً ونهاراً، وتشكيل طليعة واعية تقود نضالهم اليومي ضد الاستغلال المستفحل. وبما أن الهدف الأساس استعادة الدور، فإن الوصول لهذا الهدف يبدأ من الانخراط مع القواعد العمالية سواء كانت داخل التنظيم أو خارجه.
إنشاء مقرات دائمة ومعلنة في كل التجمعات العمالية
يتوزع عمال القطاع الخاص بين المنظم وغير المنظم، وبالتالي فإن الوصول لكليهما يستدعي المضي بذلك عبر إجراءات وبرامج عمل تشمل كل الجوانب التنظيمية والإعلامية والترويجية والاجتماعية والجماهيرية. فالقلة القليلة من ملايين العمال من يعلمون بوجود نقابات للعمال، وهذه القلة غالبيتها لا يعلم تماماً دورها وأهميتها الطبقية المجتمعية والقانونية الحقوقية والاقتصادية المعيشية. وهذا طبيعي في ظل غياب الدور. لذلك لا بد من الحضور الفيزيائي المباشر بين صفوف العمال، وبداية بتجمعاتهم الكبرى والمتوسطة كالمدن الصناعية الكبرى كحسياء والشيخ نجار وعدرا وتل كردي، أو المتوسطة كالمنطقة الصناعية في دمشق وصحنايا والكسوة والزبلطاني... إلخ. ولا نظن من الصعوبة بإمكانيات النقابات مادياً وبشرياً أن تتخذ اتحادات المحافظات مقراً ثابتاً ومعلناً لها في كل التجمعات العمالية الموجودة بمحافظاتهم، وندب نقابيين من القطاع الخاص يمثلون النقابات المعنية بالمهن المتوفرة في تلك المدن، وتحويل هذه المقرات لمراكز عمالية خدمية وقانونية وفكرية ثقافية تعرف العمال عن أهميتها ودورها في تعزيز مصالح الطبقة العاملة. وبذلك تتحول تلك المراكز لنقط استقطاب أساسية على مستوى الكم والنوع، وستشهد بالشهور الأولى مئات طلبات الانضمام للنقابات إذا ما تم عمل ذلك بالطريقة الصحيحة. ليجري بعد ذلك اتخاذ مقرات بالتجمعات السكنية العمالية الرسمية وبالعشوائيات وما أكثرها. وسيخرج من يقول إن هذا إجراء مكلف ويحتاج لميزانية كبيرة، وكأن القائل لا يعرف أو يحرف حقيقة غنى الاتحادات بأموال استثماراتها التي لا يعلم غير الله كم وأين هي؟! ناهيك على أن اشتراكات العمال المتوقع انضمامهم كافية وتزيد.
الانخراط بالحياة السياسية والصراعات الطبقية
ما إن تتم الخطوة الأولى التي ذكرناها حتى يتم البدء بالخطة التالية وهي الدخول على الملفات الكبرى التي تعني البلاد والعباد، وعلى رأسها الجانب الاقتصادي المعيشي. لأن استمرار التنظيم النقابي بالنأي عن الانخراط بمصير البلاد لا يضر البلاد وحسب، بل يضر الطبقة العاملة بأكملها. فالتناقضات الطبقية لا تنتهي، والطبقات الاجتماعية الأخرى ستدافع عن مصالحها بكل قواها، وعدم حضور الطبقة العاملة بها سيجعلها تخسر تلك الصراعات الطبقية من جهة، وتخسر عمالها الذين سيجدون من يمثلهم ويدافع عنهم في مكان آخر. وهذه ستكون خسارة كبيرة غير قابلة للتعويض. لذلك يجب البدء بلعب دور اقتصادي اجتماعي وطبقي سياسي، وتعزيز الدور الوطني بآن معاً، كي تدخل الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي دائرة الحياة السياسية والضوء معاً.
الإعلام العمالي ومركز الدراسات
ثالث الخطوات البرنامجية هي الإعلام التقليدي منه والحديث. لذلك يجب إعادة إطلاق الصحيفة الخاصة بالاتحاد العام لنقابات العمال بعد توقف دام لسنوات، لما لها من أهمية بالغة، مع العمل على أن تكون بحلة جديدة من حيث المضمون والشكل لتؤدي دورها المطلوب كحامل أساسي لبرنامج المنظمة وخطابها. ووجود المقرات المنتشرة سيكون كفيلاً بانتشارها ووصولها لأكبر عدد من العمال. ولا بد لاحقاً من إصدار صحف خاصة باتحادات المحافظات لما لها من أهمية في الإضاءة على خصوصية المحافظات من كل الجوانب. كل ذلك بالتزامن مع نشاط عملي تغييري على مواقع التواصل الاجتماعي، وتطوير موقع خاص للمنظمة يواكب ثقافة وتطور رواده ومتابعيه. على أن يتم الإعداد بالوقت نفسه لإذاعة عمالية تصل لجميع مناطق الجغرافيا السورية، خاصة أن نسبة كبيرة جداً من العمال يسمعون الراديو في معاملهم وورشاتهم. وبذلك تكون الإذاعة منبراً لهم ومعبراً عنهم، ومصدراً مهماً في تعزيز الوعي الطبقي والوطني.
رابع ما يجب العمل عليه هو إعادة تفعيل مركز الأبحاث العمالي بما يتناسب مع المرحلة الجديدة وتطوراتها وضروراتها، لأهمية العمل البحثي والبيانات والإحصاءات والدراسات. فالانخراط في الحياة السياسية يستدعي منصة معرفية كبرى ومرتكزاً غنياً بالبيانات والأبحاث والمعلومات على قواعد علمية وعملية. ويستطيع المركز أيضاً تغذية القسم الإعلامي بمواد إعلامية بحثية تغني الموقع وترفع المستوى المعرفي للطبقة العاملة. (يتبع)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238