رياض منصور... سقوط سياسي جديد في هيئة الأمم المتحدة

المفاجأة التي أحدثها رياض منصور رئيس بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة يوم السابع من الشهر الجاري لم تكن الأولى له، فقد اتخذ قبل ثلاثة أشهر تقريباً، موقفاً غريباً لفت إليه أنظار كل المهتمين بقضايا الصراع العربي/الصهيوني، حين وقف ضد القرار الذي قدمته دولتا قطر وإندونيسيا إلى مجلس الأمن الدولي، المتضمن (اعتبار قطاع غزة منطقة منكوبة إنسانياً وتستحق المساعدة بسبب الحصار الإسرائيلي). القنبلة الجديدة التي فجرها مندوب سلطة الحكم الذاتي مؤخراً، انعكس صداها في الفضاء السياسي العربي والدولي، وتأثر بها سلبياً مندوبو الدول العربية في الهيئة العالمية، الذين عبّر العديد منهم عن استيائه الشديد لخروج المندوب الفلسطيني عن الأسس التي تحكم تحركهم المشترك، فيما يتعلق بالمبادرات «مشاريع القرارات» التي يقوم بتقديمها أحد المندوبين العرب إلى وفود الدول المشاركة، إذ تتم دراستها ومناقشتها والتوافق حولها داخل المجموعة العربية أولاً، ثم يتم طرحها على الآخرين.

ماأقدم عليه منصور كان تصرفاً استثنائياً في العلاقات الدبلوماسية التي تنتظم من خلالها مداولات وتوافقات المندوبين العرب في الهيئة الدولية تجاه مشاريع القرارات التي يتم التقدم بها. رياض منصور تقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة بمشروعي قرارين:

الأول: تحت عنوان «تسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية» يقول (إن أعضاء الجمعية العامة يعربون عن القلق من الاستيلاء المسلح على مؤسسات السلطة الفلسطينية في غزة من قبل ميليشيات فلسطينية خارجة على القانون في حزيران 2007 ويدعون لإعادة الأوضاع إلى ماكانت عليه قبل حزيران 2007، وذلك من أجل السماح باستئناف الحوار الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية).

الثاني: حَمَلَ عنوان «الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق إنسان الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية»، ويعرب فيه عن (القلق العميق من تواصل استمرار الوضع الأمني والإنساني في غزة... وكذلك من إطلاق الصواريخ على اسرائيل والتأثير السلبي لأحداث حزيران 2007، والتي قامت خلالها ميليشيات فلسطينية خارجة على القانون بالاستيلاء على مؤسسات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة).

وقد أثار هذا السلوك الاستثنائي، ردة فعل عاصفة في وجه منصور، وجدت تعبيراتها الاحتجاجية في مواقف مندوبي سورية ومصر والسودان وليبيا والأردن. وجاء موقف مندوب مصر المندد بالمشروعين، ليشير إلى دلالة ذات مغزى، نظراً لكون مصر تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني. ماجد عبد الفتاح، مندوب مصر توقف أمام مسألتين في غاية الأهمية. (الأولى إجرائية والثانية موضوعية. وفي الأولى ذكر: أنه عندما يحدث تحول في مشروع قرار من القرارات يمس جوهر التعامل مع الأمم المتحدة فإنه كان من المأمول من الوفد الفلسطيني التشاور مع المجموعة العربية قبل القيام بتوزيعه على المجموعات الأخرى. وفي المسألة الثانية أكد على صعوبة الموافقة على ما جاء في بعض المشاريع حول «ميليشيات خارجة عن القانون» لأن هذا التوصيف يفتح الباب أمام الأمم المتحدة لتصنيفها على أنها مجموعات إرهابية وإدراجها على بعض القوائم ويساعد إسرائيل، قائلاً «إلا إذا كان هو الذي تريده السلطة الفلسطينية ولكنني لا أعتقد ذلك»، وركز المندوب المصري على أهمية وحدة الشعب الفلسطيني وعدم تقسيمه إلى سلطة ومجموعات خارجة لأن ذلك يشكل سابقة خطيرة وسيؤدي إلى نتائج وخيمة.

إن قراءة دقيقة لمحتويات كل مشروع، ستقودنا إلى اكتشاف «خارطة طريق» رسمها طرف فلسطيني، ستقود إلى استنفار دول العالم لمواجهة مفتوحة على الصعد كافة ضد المجموعات الوطنية المقاتلة في الضفة الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، وهو مايوفر لقوات العدو الصهيوني المظلة «الفلسطينية» وبالتالي الدولية، لشن حملة عسكرية واسعة تستهدف قطاع غزة، وتطال تلك المجموعات الناشطة في الضفة، وهو ماحرصت على التناغم والتساوق معه قيادة عباس/ فياض، وخير شاهد على ذلك مايجري في مدينة نابلس ومخيماتها.

إن القضية التي فجرها منصور لم تكن وليدة اجتهاد ذاتي قابل للصواب والخطأ، بمقدار ماأشارت بوضوح كامل إلى خطورة النهج التفريطي الكارثي الذي تسير فيه قيادة «رام الله» المحتلة على يد رئيس سلطتها، ووزراء حكومة تسيير الأعمال. إن السياسة الخارجية لهذه الحكومة التي يتابع تنفيذها رياض المالكي المسمى وزيراً لها - تم تكليفه بها إضافة لوزراة الإعلام - تعكس بشكل مباشر برنامج الإذعان الكامل الذي تحرص على تنفيذه حكومة سلام فياض والتي هي حكومة وكلاء المؤسسات المالية المتوحشة في العالم، ومندوبي منظمات الأنجزة المشبوهة (المنظمات غير الحكومية). ولهذا فإن دور منصور لم يكن سوى أداة تنفيذية لقرارات وتوجهات تلك الحكومة التي لاتتوانى في كل يوم عن تقديم «حسن نواياها» تجاه حكومة العدو.

لقد كشفت الحركة السياسية / الدبلوماسية المخزية لمندوب السلطة في نيويورك، عن تهافت وبؤس الخطاب السياسي لقيادة السلطة في رام الله المحتلة، مما يفرض على قوى الشعب الوطنية ممارسة دورها في تعرية هذا النهج الضار بالمشروع الوطني التحرري، والعمل على إقصاء كل المتهافتين على التفريط بالنضال الوطني المستمر منذ عدة عقود.