سُلْطَة على خازوق!

تتسارع خطوات العديد من المسؤولين الفلسطينيين نحو طاولات الحوار التي تتم الدعوة إليها بناء على خطة «التسويف الزمني» التي يتقنها قادة العدو، وبالأخص الحكومة الحالية بقيادة أولمرت. ولهذا شهدت الأشهر الأخيرة عدة اجتماعات نصف شهرية، لم يَرْشَحْ عن نتائجها، سوى عدة بيانات صحفية، تعيد استنساخ ماذكره البيان الأول عن اللقاء الأول، مع إدخال تعابير منتقاة بدقة عن «أفق الحل» و«إطار الحل». إنها وبالتعبير الشعبي «طبخة حصى»، باستثناء «الطبخة الدسمة» التي تناولها اولمرت من يدي زوجة صائب عريقات في اجتماعات أريحا بين الوفدين قبل عدة أسابيع، تتكرر الوعود ذاتها في كل البيانات عن إمكانية إطلاق عدد محدود من الأسرى، وآخر هذه «المَكْرُمات» مايتردد عن إطلاق 90 معتقلاً، معظمهم من حركة فتح أوشكت فترة محكوميتهم على الانتهاء، من أصل 11500 أسير يقبعون داخل زنازين الموت البطيء في سجون الاحتلال. وهذا ماذهب اليه الكاتب جدعون ليفي في مقالته المنشورة بصحيفة «هآرتس» (الإسرائيلية) يوم 23 من هذا الشهر تحت عنوان «القائد الدمية» أثناء تعليقه على اجتماعات أولمرت/عباس وتوقعاته حول لقاء بوش الخريفي (حتى اجتماعاته مع ايهود أولمرت أصبحت شيئاً فشيئاً تتطور إلى عار، وأصبحت إذلالا لشعبه. لن ينتج عنها شيء مفيد. لقد أصبح من المستحيل أن يتحمل إنسان منظر "الزعيم" الفلسطيني في زياراته المرحة إلى القدس وهو يقبل وجنتي زوجة رئيس الوزراء ذاته الذي يهدد بحصار شعبه).

لكن اللافت لنظر المراقبين، ماجاء في التصريحات الأخيرة التي نتجت عن زيارة رايس للضفة والقدس المحتلتين. فقد تدنى سقف التوقعات التي راهنت على أن ينتشل «لقاء بوش» الموعود في «خريف» عمره السياسي، الطرفين المأزومين «أولمرت وعباس» من مأزقهما الراهن. خاصة وأن كل التحاليل السياسية لمراكز البحث والدراسات الموضوعية، تؤكد في كل قراءة سياسية/تحليلية لحركة الواقع في الجانبين، انخفاض شعبية كل منهما، وضعفه المكشوف. إن حديث رايس عن صدور (بيان مشترك) عن المجتمعين في «كرنفال بوش» الخريفي، لم يكن وليد أفكارها، بمقدار ماكان التعبير الدقيق لموقف حكومة العدو. وهذا ماكانت تتشدق به تسيبي ليفني في كل لقاءاتها الصحفية التي سبقت زيارة رايس. وهو ما أعاد تكراره أولمرت أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الصهيوني قبل أيام (لقاء واشنطن ليس مؤتمر سلام، انه مجرد لقاء دولي من أجل توفير غطاء من الدعم الدولي للعملية الجارية بيننا وبين الفلسطينيين) مؤكداً (صدور بيان مشترك سيكون أساسا للمفاوضات من اجل التسوية في المستقبل). هذه التسوية التي لا يتوقع لها رئيس وزراء العدو كما جاء في حديثه المنشور في صحيفة جيروزاليم بوست مؤخراً (أن تصل «إسرائيل» إلى وضع اتفاق نهائي لها مع الفلسطينيين قبل مدة تتراوح بين 20 و30 سنة مقبلة).
يأتي الحديث الصاخب عن اللقاءات المتكررة، ومايمكن أن يحققه لقاء واشنطن، في ظل أوضاع متفجرة داخل الضفة والقطاع. فالعدو يمارس يومياً سياسة القتل، والاعتقال، وتجريف الأراضي، والتوغلات العدوانية العسكرية التي تستهدف المدن والقرى والبلدات، بدءً من جنين مروراً بالخليل وبيت لحم وغزة، وانتهاء بمدينة رفح. وقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً خطيراً في المجازر المتنقلة التي تنفذها وحدات الموت العسكرية (داخل مدينة نابلس ومخيم العين القريب منها، وفي مدن جنين وقباطية وكفر قليل) وبمشاركة جديدة من القتلة، سكان مستعمرة «كريات أربع» قرب الخليل، وسكان مستعمرة «نكوديم» قرب مدينة بيت لحم، الذين اعتدوا بالسكاكين والهراوات على الأطفال وطواقم سيارات الإسعاف الفلسطينية.
إن رهان المهرولين عبر سياسة التنازلات، والخضوع للاشتراطات الصهيونية/الأمريكية من أجل «إنقاذ مايمكن إنقاذه»، لايعدو كونه (تبذيراً للوقت ولايخرج عن الثرثرة) كما جاء في الحديث المطول الذي أجرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل أسبوع، مع القائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي الذي أضاف (إن حكومة «إسرائيل» تُجْلس كل المعتدلين الفلسطينيين على «خازوق»)، ونضيف على ماقاله البرغوثي بأن حكومة العدو الصهيوني، وإدارة المحافظين الجدد في واشنطن، تعمل على توسيع قاعدة الجلوس تلك، لتستوعب العديد من المتساقطين العرب، الذين ربطوا مصيرهم، ومستقبل شعبهم وأمتهم، بفتات المصالح النفعية، التي تؤمنها لهم شركات الاحتكارات العالمية، التي تعمل على حماية «خازوقهم» بمرتزقة «المياه السوداء... بلاك ووتر» التي يتم تعميمها، وتوزيعها لحماية مقاعد الجلوس «الفاخرة».