عام جديد و مجازر متجددة!
استقبل الفلسطينيون عامهم الجديد، بنفس المشاعر والطقوس التي ودعوا بها عامهم المنصرم، فالدماء والدموع والإرادة الفولاذية على الصمود والمواجهة في مواجهة خطة الموت الجماعي التي تمارسها حكومة العدو الصهيوني، كانت الإطار الذي اعتاد الفلسطينيون على ممارسة حياتهم ضمنه في الضفة والقطاع. فالمجازر الوحشية اليومية حصدت خلال الأسابيع القليلة التي أعقبت انفضاض كرنفال «أنا بوليس» أكثر من مائة وعشرة شهداء، بالإضافة إلى المئات من الجرحى في عمليات تتراوح في أبعادها مابين التوغلات المتنقلة، والاجتياحات المحدودة، مترافقة مع الحصار الخانق الذي أودى بحياة أكثر من خمسين مريضاً كانوا بحاجة للعلاج خارج القطاع، وكل ذلك يأتي ضمن سياسة «الموت الفردي» التي يحرص قادة العدو ألا تستنفر في آثارها المشاعر «الغافية» للرأي العام الدولي!
تأتي المذابح اليومية للشعب الفلسطيني في ظل كارثية وعبثية اللقاءات المتكررة للطواقم الثنائية التي شكلتها حكومة أولمرت ورئاسة سلطة الحكم الذاتي المحدود، خاصة وأن مايتم الإعلان عنه عقب كل لقاء، يعكس مدى التشدد والتصلب الصهيوني تجاه أجندات العمل التوسعية العدوانية (المستعمرات، الاغتيالات المتنقلة من جنين، مروراً بنابلس والخليل وانتهاءً بغزة والبريج وخان يونس ورفح)، في مقابل «الآمال» الواهية لمندوبي السلطة على قدرتهم على تحقيق بعض التنازلات من حكومة العدو، خاصة مع تعاظم رهاناتهم على مايمكن أن تحققه لهم زيارة بوش، والتي لن تكون في مصلحة شعبنا وأمتنا. إذ أكد الرئيس الأمريكي عشية زيارته للمنطقة تأييده بقاء المستعمرات-التي اعتبرها «شرعية»- تحت السيادة «الإسرائيلية»، مطالباً بتفكيك البؤر الاستيطانية (العشوائية) فقط، متبنياً بذلك الموقف «الإسرائيلي» بشكل كامل. وقد جاء كلام بوش متناقضاً مع التوقعات التي تحدث عنها نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي باسم الرئاسة قبل يومين من الزيارة (نتوقع التزاماً أمريكياً بالاستمرار في دفع عملية السلام من أجل الوصول إلى اتفاق في عام 2008 وإلزام الجانب «الإسرائيلي» بتجميد عملية الاستيطان).
أمام هذه الأوضاع المتفجرة، يتساءل المراقبون عن معاني التطورات الدراماتيكية التي رافقت معالجة حكومة سلام فياض لتداعيات العملية البطولية في منطقة الخليل قبل أسبوعين، والموقف المتفرج و«المحايد» لعناصر شرطتها أثناء العمليات العدوانية الوحشية التي نفذتها قوات العدو داخل أحياء مدينة نابلس على مدى ثلاثة أيام. لقد اتضح لكل ذي بصيرة أن هذه العناصر تمتلك مهمة واحدة محددة تتلخص في ملاحقة أبطال المقاومة المسلحة لاعتقالهم وتجريدهم من أسلحتهم، تحت الذرائع المشبوهة التي تتخفى تحت عبارة «الحفاظ على القانون ووقف الفلتان الأمني»! أما وقف الاجتياحات والاغتيالات والإعتقالات، فهذه خارج مهماتها، لأن وجودها ومهماتها مرتبط بـ«التقاسم الوظيفي الأمني». إن تهافت المنطق الذي تتداوله رموز وأجهزة إعلام حكومة فياض عن «مقاومتها بالمفاوضات» للعدوانية الصهيونية، يتوضح مع كل غارة عدوانية، ومع كل عملية اغتيال واعتقال تقوم بها قوات الاحتلال، وهو ماأكدته تسيبي ليفني مؤخراً، حينما أجابت على سؤال أحد الصحفيين عن أثر العمليات العدوانية على المفاوضات (إن «إسرائيل» ستواصل عملياتها العسكرية حتى أثناء المفاوضات مع الفلسطينيين).
إن ما ستحمله الأيام والأسابيع القادمة على إثر نتائج زيارة بوش الاستفزازية لشعوب المنطقة، ستجد تعبيراتها في توسيع دائرة الحرب العدوانية على المنطقة عموماً، وعلى شعبنا الفلسطيني بشكل مباشر. فحكومة العدو بدأت بإعطاء إشارات منذ أيام عن وجود خطط لديها لتوسيع عدوانها على قطاع غزة بعد مغادرة بوش للمنطقة، من خلال استدعائها لكبار ضباط «الإدارة المدنية» السابقة الذين عملوا في قطاع غزة المحتل لإدارة شؤونه في حال جددت قوات العدو احتلالها للقطاع. إن هذه التطورات المتسارعة تتطلب من القيادات الميدانية للمقاومة الفلسطينية المسلحة تطوير أشكال التنسيق بين كتائبها وأذرعتها المقاتلة، ومن القوى السياسية والأهلية الشعبية تحصين وتصليب البنية المجتمعية-الحاضنة الحقيقية للمقاومين- التي يجب أن تتشكل مؤسساتها بمبادرات جماعية ديمقراطية من أجل إدارة شؤون المواطنين. إن جهداً وطنياً متسارعاً يجب أن ينهض على قاعدة تَجْمَع الوطنيين في مواجهة تحالف الأعداء، تحت شعار محدد وواضح يتلخص في وحدة الهدف بعيداً عن «وحدة الصف» التي أضحت «ملتبسة» في أحيان كثيرة. فهل يتمكن الوطنيون الفلسطينيون من تحقيق الخطوات الأولى على هذا الطريق ؟ إنه سؤال ستحمل تطورات الأسابيع القليلة القادمة الإجابة عليه.