البحث عن فرصة عمل
ليس هناك رقم دقيق لتحديد مستوى البطالة، ولكن بالتأكيد الحكومة تملك هذا الرقم والإحصاءات اللازمة، إلا أنها لا تعلن عنها كي لا توقع نفسها بالحرج. فالمسؤولية عن إيجاد فرص العمل تقع على عاتقها، وهي دليل واضح على نجاح سياستها الاقتصادية أو فشلها. لكن الواقع يؤكد أن مستوى البطالة مرتفع جداً ولمستويات مخيفة.
فمن يتصفح المواقع والصفحات المختصة بفرص العمل يجد كماً هائلاً من المفاجآت والصدمات. فهناك يومياً مئات المنشورات للباحثين عن فرص عمل، أغلبهم وليس جميعهم من فئة الشباب الحاملين للشهادات الجامعية، ولكن تراهم يبحثون عن أية فرصة عمل ولو كانت بغير اختصاصهم. فالحصول على فرصة عمل بمثابة حلم في هذه الظروف، بسبب تدني الإنتاج وتوقفه في أغلب المصانع لعدة أسباب. وهناك فئة من العاملات المضطرات للعمل بسبب فقدان رب الأسرة أو عجزه عن العمل، وتراها تبحث عن أي عمل ولو براتب قليل في أحد المصانع أو المنشآت. وقد ترى منشورات تصل إلى حد الترجي والاستجداء للعثور على فرصة عمل. وأغلب المنشورات تتحدث عن الأجر وقيمته، فيكتب مثلاً «بشرط أن يكون الأجر كافياً أو محترماً»، ومع ذلك أغلبهم لا يجد لمنشوره رداً ولا يتم التواصل مع أحد منهم.
أما منشورات أرباب العمل والذين يبحثون عن العمال، فهي قليلة جداً. وإن عرضت فرص عمل فتراها برواتب هزيلة جداً مقابل شروط ومتطلبات كثيرة. فقد ذكر أحد المهندسين أنه عثر على فرصة عمل في إحدى المنشآت الكبيرة والمعروفة بمدينة عدرا الصناعية براتب 160 ألف ليرة سورية فقط لا غير! فهذا الشاب كما غيره الكثيرين أفنى سنين عمره في الدراسة والتحصيل العلمي، وأخيراً لا يجد عملاً محترماً ويأخذ أجراً لا يكفيه حتى ثمن الذهاب إلى العمل. فما بالك برواتب التي تعطى لبقية العمال. وبالمقابل يقول أرباب العمل إنهم يعطون أجوراً أضعاف رواتب الدولة، وكأن راتب الدولة يعتبر مقياساً يتم القياس عليه. لا بل تحول بالفعل إلى مقياس للاستغلال يتم القياس عليه. ويقوم بعض أصحاب العمل بوضع منشور مثلاً يتحدث عن المزايا التي يقدمها للعمال، مثل التسجيل في مؤسسة التأمينات الاجتماعية ووجود مواصلات إلى مكان العمل، مع العلم أن هذه تعتبر من حقوق العامل الأساسية ولا تعتبر مزايا يقدمها رب العمل.
انسحاب حكومي من ملف البطالة
إن انعدام فرص العمل وهزالة الأجور وتدني مستوى المعيشة هو بسبب السياسات الحكومية الليبرالية التي تتعمد تجميد الأجور لتخفيض الاستهلاك بشكل أضر بالعملية الإنتاجية بشكل عام. ومع الاستمرار بسياسة رفع أسعار حوامل الطاقة وفرض ضرائب جديدة ونوعية مرتفعة على أصحاب المنشآت، مما أدى إلى عزوف الكثيرين عن الإنتاج، واضطرار الكثير منهم إلى إغلاق منشأته. وهذا كله يؤثر على فرص العمل، فمن دون إنتاج ومن دون ضخ الأموال في استثمارات جديدة، كيف يمكن أن نؤمن فرص عمل؟ فهذه الحلقات كلها مترابطة بشكل وثيق لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى.
وبدلاً من أن تسعى الحكومة لإيجاد فرص عمل عبر ضخ الأموال في مشاريع واستثمارات جديدة، ودعم أصحاب المصانع، وتشجيع الصناعة الوطنية، تعمل بشكل مباشر على سحب يدها من هذا الملف الحساس عبر الترويج للمشروعات الصغيرة والمتناهية بالصغر، وكأنها هي الحل الأمثل لمشاكل البطالة. وافتتحت العديد من المصارف والمؤسسات المالية لتقديم قروض لهذه المشاريع، ولكن من دون تأمين أي بنية تحتية ملائمة لافتتاح أي مشروع مهما كان صغيراً. فأسعار العقارات مرتفعة جداً، وحجم الدمار رهيب، وليس هناك كهرباء ولا محروقات، وهي أشياء ضرورية ولازمة لأي مشروع إنتاجي مهما كان بسيطاً. حتى في المشاريع الزراعية، تم رفع الدعم عن الأسمدة والمحروقات والعلف للحيوانات، وبالتالي لم يعد هناك فائدة أو ربح من افتتاح أي مشروع. إن نجاح أي مشروع يتطلب وجود أسواق لتصريف هذه المنتجات وإلا ما الفائدة منه. ناهيك عن المبالغ والقروض الصغيرة التي تعطيها المصارف والمؤسسات المختصة بهذه المشاريع، والتي لا تتجاوز 5 ملايين ليرة سورية، مع اشتراط ضمانات كثيرة، وهذا المبلغ لا يكفي مصروف عائلة سورية لمدة شهر، فكيف يمكن افتتاح مشروع به؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238