أسرى الحرية في معتقل النقب.. العين تقاوم المخرز
مع الساعات الأولى لفجر يوم الإثنين الفائت، وعلى امتداد خمس ساعات، خاض الأسرى البواسل في معتقل النقب الصحراوي «كتسيعوت» المعروف فلسطينياً بمعتقل «أنصار 3»، معركة الدفاع عن حقوقهم الإنسانية المكتسبة، التي استطاعوا الحصول عليها بعد جولات متعددة من الإضرابات والمواجهات، خاصة، الاتفاق الذي أبرموه مع إدارة السجون والقاضي بـ«عدم اقتحام خيام وغرف الأسرى في ساعات نومهم الليلية»، فقد واجهوا بصدورهم العارية إلا ّ من الإيمان بعدالة قضيتهم، عمليات التفتيش والتنكيل الوحشية التي أقدمت عليها وحدات القمع الخاصة «نخشون» و«متسادا» بصمود أسطوري. بعدما لجأت قوات العدو الدموية لاستخدام الهراوات وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع وطلقات «الدمدم» المحرم دولياً، والمطاط المغطى برذاذ الفلفل الذي يحدث حروقاً وتقرحات في أجسادهم، أثناء اقتحامها القسم "ج1" و "ج2" الذي يتواجد فيه حوالي ألف أسير، مما أدى إلى تحطيم المقتنيات الشخصية للأسرى، وإتلاف خيمهم وحرقها. وقد نتج عن ذلك تضامن باقي المعتقلين في كل أقسام السجن الصحراوي الرهيب الذي يضم 2300 أسير، مما دفع بإدارة السجن للتراجع عن حملتها، بسبب وحدة المعتقلين وصمودهم في المواجهة العنيفة التي أدت لإصابة 252 أسيراً، تم نقل تسعة منهم نتيجة إصاباتهم الخطيرة إلى مستشفى «سوروكا» في مدينة بئر السبع المحتلة منذ عام 1948، كما أصيب خمسة عشر من حراس السجن الصهاينة.
لم تتوقف وحشية المحتل عند الممارسات القمعية داخل أقسام السجن، بل امتدت إلى غرف المسشفى المذكور، وهو ماكشفت عنه حالة الجريح الأسير «محمد صافي الأشقر» الذي سقط نتيجة المواجهات بالمعتقل، ولم يلبث أن ارتقى شهيداً، وهو على سرير المسشفى مقيداً، وهذا ماأكده مدير مركز الأسرى للدراسات «رأفت حمدونة» (إن الشهيد أصيب برصاصة في أعلى رأسه وخرجت من خلفه، ودخل اثر ذلك في حالة موت سريري.. كما أن سلطات السجن تعاملت بوحشية مع الشهيد حيث قامت بتقييده أثناء وجوده على سرير المسشفى وحاولت منع زيارة والدته له، التي تمكنت من وصول المستشفى بتنسيق من الصليب الأحمر، وسمح لها بإلقاء نظرة عليه لمدة خمس دقائق فقط). وباستشهاد الأشقر يرتفع عدد الأسرى الذين سقطوا شهداء في سجون الاحتلال منذ عام 1967 إلى 191 شهيداً بينهم 73 استشهدوا منذ بداية انتفاضة الأقصى. وفي مواجهة ذلك العسف الإجرامي الذي تمارسه حكومة العدو، أعلن نحو 11.500 أسير فلسطيني في كافة السجون والمعتقلات الصهيونية إضراباً احتجاجياً عن الطعام، وحداداً شاملاً على استشهاد ابن حركة الجهاد الإسلامي «الأشقر»، وعلى اقتحام أقسام سجن النقب والاعتداء على الأسرى.
لقد أحدثت اعتداءات وحدات القمع الصهيونية على الأسرى ردود فعل واسعة تركزت في تحرك اللجان والمؤسسات المختصة بمتابعة قضايا المعتقلين الوطنيين داخل السجون ومراكز الاعتقال الصهيونية. لكن الحملة الوطنية المحلية تبقى رغم أهميتها محدودة التأثير طالما بقيت محصورة في الأطر الفلسطينية. إن تحركاً واسعاً يجب أن تنهض به "نقابات المحامين ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان" في كافة الأقطار العربية، كخطوة أولى وضرورية لنقله إلى الدائرة العالمية.
جاءت تحركات الأسرى البطولية في الوقت الذي تمارس فيه قيادة الحكم الذاتي في «رام الله» اللقاءات مع الوفد الأمني/ الإداري الصهيوني في فنادق المستعمرات الصهيونية المحيطة بمدينة "القدس"، للتفاهم على صيغة تحقق التقارب بينهما كخطوة ضرورية لدخولهما في لقاء الخريف البوشي في «أنابوليس» بعد عدة أسابيع. وقد كشفت مجدداً كلمات «أشرف العجرمي» وزير الأسرى في حكومة فياض، عن فقدان هذه "الحكومة" مبررات وجودها، بسبب انعدام دورها في الدفاع عن شعبها، وبضرورة وقفها لمسلسل "المفاوضات" العبثي مع حكومات العدو. اعترف «العجرمي» بأن (هذا التصعيد الخطير سيقود إلى تفجير الأوضاع داخل السجون وفي جميع الأراضي الفلسطينية) وهو مصيب في قراءته للتطورات الراهنة، لكنه (استبعد إمكان وقف المفاوضات أو تعليقها احتجاجاً)! ويجيب سريعاً لتوضيح رأيه _غير السديد_ (إن السلطة متمسكة بخيار المفاوضات حتى لاتعطي «إسرائيل» ذريعة لاتهام السلطة بالتعطيل). لقد تهاوت المقدمات التوصيفية الموضوعية بسرعة أمام سياسة التنازلات التي تنتهجها قيادة عباس/ فياض.
إن أبلغ العبارات وأوضحها وأكثرها صدقاً، ماجاء على لسان الأم الفلسطينية والدة الأسير «ابراهيم بارود» المحكوم بالمؤبد داخل سجون الاحتلال. إذ (طالبت الفصائل الفلسطينية بالتوحد والانتباه لقضية الأسرى، وأن تترك الكرسي الذي تتقاتل من أجله) مؤكدة (ماكان ليحدث هذا للأسرى لولا انشغال الفصائل بقضايا جانبية). لقد اختصرت كلمات والدة الأسير العديد من المقولات والتحليلات والاجتهادات، فهل تجد آذاناً صاغية عند «أولي الأمر».