السياسات الاقتصادية ترسم سوق العمل
لماذا يختلف المستوى التعليمي للطبقة العاملة من دولة إلى أخرى؟ هل بسبب اختلاف تطورها وتموضعها الجغرافي، أم أنّ هناك سبباً أساسياً اقتصادياً بالدرجة الأولى؟ وأيهما أكثر تأثيراً في الآخر: السياسات التعليمية أم الاقتصادية؟ وإذا أردنا تسليط الضوء على المستوى التعليمي للطبقة العاملة السورية في السنوات الأخيرة، فليس من باب الترف الإحصائي، بل لربطها بمستقبل هذه الطبقة التي تعتبر العنصر الأساسي في الاقتصاد السوري وثروته الأكبر.
تعد الطبقة العاملة العمود الفقري للاقتصاد في أي دولة، وتلعب مؤهلاتها التعليمية دوراً حاسماً في تحديد مستوى الإنتاجية والقدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية. في سورية، تشير البيانات المتوفرة لعام 2022 إلى ضعف المستوى التعليمي للطبقة العاملة مقارنة بدول عربية وإقليمية أخرى، ناهيك عن التباين الواضح في توزع العمالة بين القطاعين العام والخاص حسب المستوى التعليمي، مما يعكس اختلالات هيكلية في سوق العمل امتدت لعقود. سنحاول في هذه المادة توضيح بعض دلالات هذه البيانات، ثم نقارنها مع البيانات الخاصة بالطبقة العاملة في المملكة العربية السعودية.
عمال القطاع العام أعلى تعليماً من القطاع الخاص
تشير البيانات إلى أن العاملين في القطاع العام في سورية يتمتعون بمستوى تعليمي أعلى مقارنة بنظرائهم في القطاع الخاص:
- 28% من العاملين في القطاع العام حاصلون على شهادة جامعية أو أعلى.
- 20% درسوا في معاهد متوسطة (كالمعاهد التقانية أو التجارية أو المصرفية والمهنية).
- 22% حاصلون على شهادة التعليم الثانوي.
- 15% حاصلون على التعليم الأساسي.
- 15% حاصلون على التعليم الابتدائي أو أقل.
أما في القطاع الخاص، فإن:
- 54.3% من العاملين لم يتجاوزوا المرحلة الابتدائية.
- 19.5% حاصلون على شهادة التعليم الأساسي.
- 12.9% حاصلون على الشهادة الثانوية.
- 4.5% تخرجوا من معاهد متوسطة.
- 8.7% فقط حاصلون على شهادة جامعية أو أعلى.
على الرغم من أن الرواتب في القطاع العام خلال الفترة المذكورة تعتبر منخفضة مقارنة بالقطاع الخاص، إلا أن القطاع العام يعتبر جاذباً للأيدي العاملة الأكثر تعليماً، أو أنه يعتمد على أصحاب الشهادات والكفاءات ويوفر لهم فرص العمل المتناسبة مع تحصيلهم العلمي. على العكس من واقع القطاع الخاص الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على العمالة ذات التعليم المحدود، كما هو موضح بالبيانات السابقة. وللعلم، فإن نسبة كبيرة من العاملين فيه لا يعملون باختصاصهم أو شهادات تحصيلهم العلمي.
المشكلة المركبة
توضح البيانات السابقة أيضاً ضعف الإنتاجية، لأن العمالة منخفضة التعليم عادة ما تعمل في أعمال غير ماهرة أو غير رسمية، إضافة إلى هجرة الكفاءات، حيث يفضل الخريجون الجامعيون الهجرة إلى مختلف الدول التي يمكن أن توفر لهم فرصاً للعمل وبرواتب جيدة، خاصة في ظل تدهور واقع الطبقة العاملة في القطاع الخاص في سورية. وإن هذا الخلل الهيكلي في سوق العمل من ناحية توزع الطبقة العاملة حسب الحالة التعليمية يعكس بشكل أو بآخر تراجع القطاع الخاص، مما يحد من قدرته على استيعاب الكفاءات من جهة، ويحد من قدرته على مواكبة التطورات التكنولوجية بما يساهم في تطوير وتمكين العمال. وإذا أردنا المقارنة مع المستوى التعليمي لعمال القطاع الخاص في السعودية، سنجد أن نسبة التعليم في السعودية وفق بيانات 2022، نحو 30% من السعوديين العاملين في القطاع الخاص حاصلون على تعليم جامعي، مقارنة بـ 8.7% فقط في سورية.
البداية من النهج الاقتصادي الوطني
إن سوق العمل بكمه ونوعه وتوزع اليد العاملة فيه بين القطاعات هو المرآة الأساسية التي تعكس النهج الاقتصادي، والذي بدوره سيرسم السياسات الحكومية في التعليم كي ينسجم مع متطلبات سوق العمل وليس العكس. وللأسف، فإن التوجهات الاقتصادية السابقة لعقود عديدة أنتجت ما نشهده اليوم من فوضى عارمة في المؤسسات التعليمية وفي سوق العمل، حيث يجري التفريط المستمر بالشباب المتعلم والمهني والفني، إما من خلال الهجرة والعمل خارج البلاد، أو من خلال اضطرارهم للعمل خارج إطار اختصاصهم وتحصيلهم العلمي، مما يستدعي التخطيط الاستراتيجي المسبق للاقتصاد السوري على قاعدة الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي، ورسم السياسات التعليمية على هذا الأساس. وبغير ذلك، سنستمر بتهديم القوى العاملة، وبالتالي المجتمع بأسره.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238