هل تتجه مشكلة الخبز إلى تأزم جديد؟
ما زالت مشكلة الخبز عويصة وبلا حلول نهائية على ما يبدو، وفي كل مرة تثار فيها هذه المشكلة على أحد المستويات الرسمية تتكاثر الاقتراحات بشأنها، مؤدية للمزيد من المشاكل فيها بدلاً من حلها.
ما زالت مشكلة الخبز عويصة وبلا حلول نهائية على ما يبدو، وفي كل مرة تثار فيها هذه المشكلة على أحد المستويات الرسمية تتكاثر الاقتراحات بشأنها، مؤدية للمزيد من المشاكل فيها بدلاً من حلها.
أتحفنا أحد رسميي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً بتصريح لافت عمّن يبيع الخبز كـ «علف»، في إشارة للمواطنين، في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن كشف بعض ملفات الفساد الكبيرة بمادة القمح، المادة الرئيسة في صناعة الرغيف، وكأن غايته إبعاد الشبهات عن كبار الفاسدين المتلاعبين برغيف الخبز ومكوناته، وتجيير ذلك على المواطنين.
تستمر أزمة رغيف الخبز وتتفاقم على مستويات عديدة، تبدأ من عدم كفاية الحاجة منه وفقاً لسقوف الكميات المسموح استلامها بموجب البطاقة الذكية لكل أسرة، ولا تنتهي بمظاهر الازدحام على الطوابير، وبالعمق تبدأ بعوامل النهب والفساد، ولا تنتهي بإجراءات تخفيض الدعم على المادة.
لم ولن تُحل أزمة الرغيف طالما تم ترك السبب الرئيس خلفها، والمتمثل بالفساد والنهب الكبير الجاري باسمه وفي عمق أزمته، وفي ظل اللامبالاة الرسمية تجاه الحد الدنى من الأمن الغذائي، الذي أصبح يمثله هذا الرغيف.
التوحش الليبرالي يستقوي على رغيف الخبز، الملاذ الأخير للغالبية من المفقرين على مستوى أمنهم الغذائي بحدوده الدنيا.
اختفت طوابير السيارات أمام الكازيات بقدرة قادر مباشرة بعد قرار رفع سعر البنزين خلال الأسبوع الماضي، لتسقط معه كافة الذرائع والتبريرات الرسمية المساقة عن توقف مصفاة بانياس، أو عن موسم السياحة، أو عن قلة التوريدات، بل وحتى ذرائع العقوبات والحصار.
تفاقم جديد لأزمة الخبز يلوح في الأفق، وقد بدأت ملامحه بالظهور من خلال زيادة الازدحام أمام المخابز والأفران، وتوقف بعضها عن العمل، فيما تزايد نشاط السوق السوداء على الرغيف.
ما زال التخبط والارتجال هو الحال السائدة فيما يتعلق بحل مشكلة رغيف الخبز، وكأن هذه المشكلة من التعقيد والضخامة بحيث تتكاثر المقترحات وآليات العمل من أجلها، ليتبين ويثبت أن التجريب على حساب المواطن وبه هي الطريقة الأسهل على ما يبدو بهذا الصدد.
أزمة في البنزين، في الطحين والخبز، في الكهرباء، وقريباً في المازوت والغاز، هذا وتستمر أزمة الدواء وتتراجع إلى حد بعيد كميات أدوية الأمراض المزمنة في المستوصفات والمشافي العامة، بل حتى في الكتب المدرسية! نقص في جميع المواد الأساسية المستوردة لصالح جهاز الدولة، ورغم إيراد العديد من المبررات في التصريحات الحكومية إلا أن الواضح أن منظومة الاستيراد لصالح الدولة مضطربة وغير قابلة للاستمرار...
تتكرر الأزمات في المواد الأساسية التي تعتبر الحكومة مسؤولة عن تأمينها استيراداً، والتي توضع لها مخصصات مالية في الموازنة العامة، وأهمها: الطحين والمحروقات والأدوية. إنّ هذه المواد يتم استيرادها عبر عقود مع شركات الاستيراد الخاصة وكبار التجار، ولكن ليس أية شركات أو جهات! (بل محصورة بالمحظيين فقط)... وهذا لوجود مزايا عديدة في الاستيراد الحكومي.
تجري عملية تقليص لكميات الخبز المدعوم دون إعلان مباشر، فالآليات والطوابير والتصريحات تعلن ذلك، وإن بشكل غير مباشر. فالحكومة تتهم المواطنين بالهدر في الخبز وتريد أن تحد من هذه الظاهرة بضبط الكميات، أما الغاية العميقة فهي التقشف المالي الناجم عن تراجع الإيرادات العامة، وهي ليست المرة الأولى، وربما ليست المرحلة الأخيرة من عملية سحب رغيف الخبز المدعوم.